تفسير ابن أبي داود السجستاني
الذي ذكر الذّهبي مناقبه فقال:
«قد كان أبوبكر من كبار الحفّاظ والأئمّة الأعلام، حتّى قال الخطيب: سمعت الحافظ أبا محمّد الخلاّل يقول: كان أبوبكر أحفظ من أبيه أبي داود.
وروى ابن شاهين عن أبي بكر أنّه كتب في شهر عن أبي سعيد الأشج ثلاثين ألفاً.
وقال أبوبكر النقّاش والعهدة عليه: سمعت أبابكر ابن أبي داود يقول: إنّ تفسيره فيه مائة ألف وعشرون ألف حديث.
قلت: ولد سنة ثلاثين ومائتين، ورحل به أبوه، فلقي الكبار وسمع عيسى ابن حمّاد صاحب الليث بن سعد وطبقته، وانفرد عن طائفة.
قال أبوبكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان: ذهب أبوبكر إلى سجستان فاجتمعوا عليه وسألوه أن يحدّثهم فقال: ليس معي كتاب. فقالوا: ابن أبي داود وكتاب؟ قال: فأثاروني فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث، فلمّا قدمت بغداد قال البغداديّون: لعبت بأهل سجستان ثمّ فيّجوا فيجاً اكتروه بستة دنانير ليكتب لهم النسخة، فكتبت وجيء بها فعرضت على الحفّاظ فخطّأوني في ستّة أحاديث منها ثلاثة رويتها كما سمعت.
وقال الحافظ أبوعلي النيسابوري: سمعت ابن أبي داود يقول: حدّثت بأصبهان من حفظي بستّة وثلاثين ألف حديث، ألزموني الوهم في سبعة أحاديث، فلمّا رجعت وجدت في كتابي منها خمسة على ما حدّثتهم»(1).
لكنّ ابن أبي داود مجروح ومقدوح بقوادح عظيمة كالنصب والكذب، حتّى أنّهم نقلوا عن أبيه ـ أبي داود صاحب السنن ـ اتّهامه بالكذب… وقد أورده الذهبي في (الميزان) فقال:
«عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، أبوبكر، الحافظ الثقة، صاحب التصانيف، وثّقه الدارقطني فقال: ثقة إلاّ أنّه كان كثير الخطأ في الكلام على الحديث.
وذكره ابن عدي وقال: لولا ما شرطنا وإلاّ لما ذكرته ـ إلى أن قال: ـ وهو معروف بالطلب، وعامّة ما كتب مع أبيه وهو مقبول عند أصحاب الحديث. وأمّا كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبيّن له منه.
ثنا علي بن عبدالله الداهري، سمعت أحمد بن محمّد بن عمرو كركرة، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت أباداود يقول: ابني عبدالله كذّاب.
قال ابن صاعد: كفانا ما قال أبوه فيه.
ثمّ قال ابن عدي: سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول: حدّثني أبوبكر يقول: سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: أبوبكر ابن أبي داود كذّاب.
وسمعت أبا القاسم البغوي وقد كتب إليه أبوبكر ابن أبي داود يسأله عن لفظ حديث لجدّه، فلمّا قرأ رقعته قال: أنت ـ والله ـ عندي منسلخ من العلم.
وسمعت عبدان، سمعت أبا داود السجستاني يقول: من البلاء أنّ عبدالله يطلب للقضاء.
وسمعت محمّد بن الضحّاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول: أشهد على محمّد بن يحيى بن مندة بين يدي الله أنّه قال: أشهد على أبي بكر ابن أبي داود بين يدي الله تعالى أنّه قال: روى الزهري عن عروة قال: حفيت أظافير فلان، من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: هذا لم يسنده أبوبكر إلى الزهري، فهو منقطع. ثمّ لا يسمع قول الأعداء بعضهم في بعض، ولقد كاد أن يضرب عنق عبدالله لكونه حكى هذا، فشدّ منه محمّد بن عبدالله بن حفص الهمداني وخلّصه من أمير أصبهان أبي ليلى، وكان انتدب له بعض العلويّة خصماً، ونسب إلى عبدالله المقالة، وأقام الشهادة عليه ابن مندة المذكور ومحمّد بن عبّاس الأخرم وأحمد بن علي الجارود، فأمر أبو ليلى بقتله، فأتى الهمداني وجرح الشهود…».
وأيضاً في (الميزان):
«قلت: كان ـ أي عبدالله بن سليمان ـ قوي النفس، وقع جفتنةج بينه وبين ابن صاعد وبين ابن جرير، نسأل الله العافية.
قال ابن شاهين: أراد الوزير علي بن عيسى أن يصلح بين أبي بكر ابن أبي داود وابن صاعد، فجمعهما وحضر القاضي أبو عمر، فقال الوزير لأبي بكر: أبومحمّد ابن صاعد أكبر منك فلو قمت إليه. فقال: لا أفعل. فقال له: أنت شيخ زيف. قال أبوبكر: الشيخ الزيف الكذّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال الوزير: من الكذّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبوبكر: هذا، ثمّ قال: إنّي أذلّ لأجل رزق يصل إليّ على يدك، والله لاأخذت من يدك شيئاً أبداً، وعليَّ مائة بدنة إن أخذت منك شيئاً، فكان المقتدر بعد يزن رزقه بيده ويبعثه على يد خادم.
وقال محمّد بن عبدالله القطّان: كنت عند محمّد بن جرير فقال رجل: ابن أبي داود يقرأ على النّاس فضائل علي رضي الله عنه. فقال ابن جرير: تكبيرةٌ من حارس.
قلت: وقد قام ابن أبي داود وأصحابه ـ وكانوا خلقاً كثيراً ـ على ابن جرير ونسبوه إلى بدعة اللّفظ، فصنّف الرجل معتقداً حسناً سمعناه، تنصّل فيه ممّا قيل عنه وتألّم لذلك»(2).
هذا، وقد ذمّه ابن الجوزي على روايته الخبر الطويل الموضوع في فضائل السّور وفرَّقه عليها، مع علمه بوضعه وبطلانه! قال:
«وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديث محال، ولكنْ شره جمهور المحدّثين، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم، لأنّه قد صحَّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: من حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين»(3).
وقد أورد السيوطي كلام ابن الجوزي هذا مع إسقاط الجملة الأخيرة منه التي فيها ذمّ لجمهور المحدّثين…(4)
فكان ابن أبي داود مطعوناً عند ابن الجوزي والسيوطي أيضاً.
وحرمة رواية الحديث الموضوع ـ مع العلم بوضعه ـ ممّا استفاض فيه الحديث النبوي واتفق عليه العلماء.
(1) ميزان الاعتدال 2: 435/4368.
(2) ميزان الاعتدال 2: 433 ـ 435/4368.
(3) كتاب الموضوعات 1: 240.
(4) اللآلي المصنوعة 1: 228.