صحيح البخاري
أمّا صحيح البخاري، فإنّ أوّل شيء نذكره حوله، هو أن أبا زرعة وأبا حاتم الرّازيين قد تركا البخاري ومنعا من الرواية عنه والأخذ منه.
ترك أبي زرعة وأبي حاتم البخاري
ففي (طبقات السبكي) عن تقي الدين ابن دقيق العيد أنّه قال: «أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدّثون والحكّام» فقال السبكي:
«قلت: ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبوزرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ. فيالله وللمسلمين! أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك؟ وهو حامل لواء الصناعة ومقدَّم أهل السنّة والجماعة»(1).
وأورد الذهبي البخاريّ في كتاب (الضعفاء والمتروكين)، فقال المناوي متضجّراً من ذلك:
«زين الاُمّة، إفتخار الأئمّة، صاحب أصحّ الكتب بعد القرآن، ساحب ذيل الفضل على ممرّ الزمان، الذي قال فيه إمام الأئمّة ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه، وقال بعضهم: إنّه آية من آيات الله يمشي على وجه الأرض.
قال الذهبي: كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة.
هذا كلامه في الكاشف. ومع ذلك غلب عليه الغض من أهل السنّة، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: ما سلم من الكلام، لأجل مسألة اللّفظ، تركه لأجلها الرازيّان.
هذه عبارته، وأستغفر الله تعالى، نسأل الله تعالى السلامة، ونعوذ به من الخذلان»(2).
وقال في (ميزان الإعتدال) بترجمة علي بن المديني:
«علي بن عبدالله بن جعفر بن الحسن، الحافظ، أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر. ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع فقال: جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهميّة، وحديثه مستقيم إن شاء الله، قال لي عبدالله بن أحمد: كان أبي حدّثنا عنه، ثمّ أمسك عن اسمه وكان يقول حدّثنا رجل، ثمّ ترك حديثه بعد ذلك.
قلت: بل حديثه عنه في مسنده.
وقد تركه إبراهيم الحربي، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي دؤاد، فقد كان محسناً إليه.
وكذا امتنع من الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى، كما امتنع أبو زرعة وأبوحاتم من الرواية عن تلميذه محمّد لأجل مسألة اللّفظ.
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة…»(3).
(1) طبقات الشافعية 2: 230، سير أعلام النبلاء 12: 462.
(2) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 1: 24.
(3) ميزان الاعتدال 5: 167/5880.