تركه النهي عن المنكر
ومن قوادحه: إنّه لم ينكر على خالد بن عبدالله القسري بدعته في مكّة المكرّمة، فقد جاء في كتاب (إتحاف الورى) ما نصّه:
«وقد فعل خالد بن عبدالله القسري بمكّة المشرّفة أفعالاً من غير معرفة للسنّة التي فعل فيها، فأحببت ذكر ذلك هنا، لئلاّ يخلو منه هذا الكتاب.
فمن ذلك: إنّ النّاس كانوا يقومون شهر رمضان في أعلى المسجد، تركز حربة خلف المقام بربوة، فيصلّي الإمام خلف الحربة والناس وراءه، فمن أراد صلّى مع الإمام، ومن أراد طاف وركع خلف المقام. فلمّا ولي خالد ابن عبدالله القسري بمكّة لعبدالملك بن مروان وحضر شهر رمضان، أمر خالد الأئمّة أنْ يتقدّموا فيصلّوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أنّ النّاس ضاق عليهم أعلا المسجد، فأدارهم حول الكعبة، فقيل له: يمتنع بذلك الناس من الطواف، قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كلّ ترويحتين بطواف سبعاً، فأمرهم ففعلوا بين كلّ ترويحتين، فقيل له: فإنّه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائفين من فصل وغيره، فيتهيّأ للصلاة، فأمر عبيد الكعبة أنْ يكبّروا حول الكعبة ويرفعوا أصواتهم في الطواف بالتكبير، فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا، فيكون ذلك إعلاماً للنّاس أنّ الطواف على انقضاء، فيتهيّأ من في الحجر ومن في جوانب المسجد من مصلّ وغيره، فيخفّف صلاته، ثمّ يعود الطائفون للتكبير حتّى يفرغوا من السبع، ثمّ يقوم مناد فينادي: الصلاة رحمكم الله، ولا تنقضي صلاتهم حتّى يطلع الفجر، وكان على جبل أبي قبيس يرقب طلوع الفجر للمتسحرين، فإذا بان له نادى: أمسكوا رحمكم الله.
وكان عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ونظراؤهم من العلماء يحضرون ذلك، فلا ينكرونه»(1).
(1) إتحاف الورى بأخبار اُم القرى ـ حوادث السنة: 93.