تحريف معنى الحديث
ومنهم من تأوّل هذا الحديث تأويلاً عجيباً، وحرّفه تحريفاً معنويّاً، إذ حمل «الكذب» على «الغلط»، فقد قال أبو زرعة بعد العبارة السابقة: (قال ابن عبدالبر: و«كذب» في كلامها بمعنى «غلط») وهو مردود بوجوه:
الأوّل: إنّه لم يأت له بشاهد من الكتاب والسنّة، وكلمات الفصحاء، وأئمّة اللغة الثقات.
والثاني: إنّه خلاف المتبادر من لفظ «الكذب»، فلو ثبت استعماله بمعنى «الغلط» فهو مجاز.
والثالث: إنّه خلاف السّياق، لأنّ «الغلط» من المجتهد مأجور عليه، فضلاً عن أن يستوجب الغضب والسّخط، لكنّ عائشة لمّا سمعت هذا عن أبي هريرة طارت شقّة منها في السماء وشقّة في الأرض، وهذا لا يتناسب مع «الخطأ» و«الغلط» الذي لم يخلُ منه عائشة أيضاً.
وفي (فتح الباري):
«روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان: إنّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إنّ أباهريرة قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: الطيرة في الفرس والمرأة والدار. فغضبت غضباً شديداً وقالت: ما قاله، وإنّما قال: إنّ أهل الجاهليّة كانوا يتطيّرون من ذلك»(1).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6: 47.