تأويل إنكار عائشة
ومن القوم من تجاسر على عائشة، فزعم أنّ تكذيبها رؤية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان رأياً منها لا رواية عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن العجائب ذهاب النووي إلى ذلك، كما في (المواهب اللّدنيّة) حيث قال:
«قال النووي ـ تبعاً لغيره ـ لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنّما اعتمدت الإستنباط على ما ذكرته من ظاهر الآية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصّحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجّة اتفاقاً»(1).
لكنْ يبطله أنّ الحديث موجود في صحيح مسلم الذي شرحه النووي، وقد نبّه على ذلك الحافظ ابن حجر أيضاً، حيث قال في (فتح الباري):
«وجزمه بأنّ عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع، تبع فيه ابن خزيمة، فإنّه قال في كتاب التوحيد من صحيحه: النفي لا يوجب علماً، ولم تحك عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبرها أنّه لم ير ربّه، وإنّما تأوّلت الآية. إنتهى.
وهو عجب، فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ، فعنده من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق في الطريق المذكور قال مسروق: وكنت متّكياً فجلست فقلت: ألم يقل الله تعالى: (ولقد رآه نزلةً اُخرى)؟ فقالت: أنا أوّل هذه الاُمّة سأل رسول الله عن ذلك، فقال: إنّما هو جبرئيل.
وأخرجه ابن مردويه من طريق اُخرى عن داود بهذا الإسناد: فقالت: أنا أوّل من سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذا، فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربّك؟ فقال: لا، إنّما رأيت جبريل منهبطاً»(2).
أقول:
وإذا كان هذا في صحيح مسلم، فكيف يقول القائلون منهم برؤيته صلّى الله عليه وآله وسلّم ربّه؟ نعوذ بالله من استيلاء الجهالة والإنهماك في الضلالة!
(1) المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة 2: 389.
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8: 493.