بين عثمان وابن مسعود
إنّ من ضروريّات التاريخ أنّ عثمان بن عفّان قد أحرق مصحف ابن مسعود، فقال علماؤهم دفاعاً عنه وتبريراً لما فعل:
«إنّه لو بقي مصحفه في أيدي الناس لأدّى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين» ثمّ علّلوا ذلك بقولهم: «لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن»(1).
وقال الراغب الإصفهاني في (المحاضرات):
«أثبت ابن مسعود في مصحفه: ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب»(2).
وقال:
«أثبت ابن مسعود بسم الله في سورة البراءة»(3).
ومن المعلوم الواضح لدى كلّ أحد: أنّ من أدرج في القرآن أدعية القنوت وغيرها ممّا ليس من القرآن، وكان قرآنه يشتمل على الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن، بحيث لو بقي في أيدي الناس لأدّى إلى فتنة كبيرة في الدين، ولانجرَّ إلى قبائح كثيرة، وصار المسلمون مختلفين في كتابهم كاختلاف اليهود والنصارى في كتابهم، ولم يرفع اليد عن كلّ ذلك إلاّ بالسبّ والشتم… كان من المقدوحين والمجروحين…
بل المستفاد من تتبّع كلمات القوم في المقام أنْ ليس لابن مسعود على اُصولهم من الإيمان والإسلام نصيب، فضلاً عن الجلالة والسيادة والفضل والسعادة، لأنّه كان من المخالفين لعثمان والمنكرين عليه، حتّى أنّه كان يدعو عليه على رؤوس الأشهاد:
قال الحلبي في (السيرة):
«وكان الوليد شاعراً ظريفاً حليماً شجاعاً كريماً، يشرب الخمر كلّ ليلة من أوّل الليل إلى الفجر، فلمّا أذّن المؤذّن لصلاة الفجر، خرج إلى المسجد وصلّى بأهل الكوفة الصبح أربع ركعات، وصار يقول في ركوعه وسجوده: إشرب واسقني، ثمّ قاء في المحراب ثمّ سلّم وقال: هل أزيدكم؟
فقال له ابن مسعود: لا زادك الله خيراً ولا من بعثك إلينا»(4).
هذا، وقد نصّ صاحب (التحفة) على أن من يطعن في الصهرين ـ يعني: عليّاً وعثمان ـ فهو ليس من أهل الإيمان.
وقال ابن حجر في (الصواعق) في مطاعن عثمان:
«ومنها: أنّه حبس عطاء ابن مسعود واُبي بن كعب، ونفى أباذر إلى الربذة، وأشخص عبادة بن الصّامت من الشام إلى المدينة لمّا اشتكاه معاوية، وهجر ابن مسعود ، وقال لابن عوف: إنّك منافق، وضرب عمّار بن ياسر، وانتهك حرمة كعب بن عجرة، فضربه عشرين سوطاً ونفاه إلى بعض الجبال، وكذلك حرمة الأشتر النخعي.
وجواب ذلك: أمّا حبسه لعطاء ابن مسعود وهجره له، فلِما بلغه ممّا يوجب ذلك، إلقاءً جإبقاءًج لاُبهّة الولاية»(5).
فكان قد وقع من ابن مسعود ما استحقّ به حبس العطاء والهجر، بل يظهر من ذلك أنّه ما كان يعتقد بولاية عثمان وخلافته، فلو كان يعتقد لما ألقى اُبّهتها!
وقال الفخر الرازي في (نهاية العقول):
«قوله: سادساً: ضرب ابن مسعود وعمّاراً وسيّر أباذر إلى الربذة.
قلنا: كما فعل ذلك، فقد قيل عن هؤلاء أنّهم أقدموا على أفعال استوجبوا ذلك»(6).
ومن الضروري: إنّ الأفعال المستوجبة لضرب أعيان الصحابة وهتك عدولهم، ليست إلاّ الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة…
(1) تاريخ الخميس 2: 273. وغيرهما.
(2) محاضرات الادباء 4: 434.
(3) محاضرات الادباء 4: 434.
(4) إنسان العيون = السيرة الحلبيّة 2: 284، وفيه: شرب الخمر ليلةً…
(5) الصواعق المحرقة 1: 334.
(6) نهاية العقول ـ مخطوط.