أمّا صحيح الترمذي الذي مدحوه وأثنوا عليه، وجعلوه قريباً من الصحيحين في الصحّة والإعتبار، ووصفوه بأنّه أحسن الكتب وأكثرها فائدة… كما قال ابن الأثير بترجمة الترمذي: «وله تصانيف كثيرة في علم الحديث، وهذا كتابه الصحيح أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيباً وأقلّها تكراراً، وفيه ماليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب العلل، قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها.
قال الترمذي رحمه الله: صنّفت هذا الكتاب، فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبيّ يتكلّم»(1).
وقال القاري في (مجمع الوسائل ـ شرح الشمائل): «هو أحد أئمّة عصره وأجلّة حفّاظ دهره، قيل: ولد أكمه، سمع خلقاً كثيراً من العلماء الأعلام وحفّاظ مشايخ الإسلام، مثل قتيبة بن سعيد والبخاري والدارمي ونظرائهم، وجامعه دالّ على اتّساع حفظه ووفور علمه، كأنّه كاف للمجتهد وشاف للمقلّد.
ونقل عن الشيخ عبدالله الأنصاري أنّه قال: جامع الترمذي عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم.
ومن مناقبه أنّ الإمام البخاري روى عنه حديثاً واحداً خارج الصحيح.
وأعلى ما وقع له في الجامع حديث ثلاثي الإسناد، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر».
الموضوعات في صحيح الترمذي
ولكنّ هذا الكتاب الذي وصفوه بهذه الأوصاف وشبّهوه بنبيٍّ يتكلّم… قالوا: فيه موضوعات كثيرة….
قال الحافظ ابن دحية ـ في كلام له على الحديث في أنّ نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم: أكرم ولد آدم على ربّه ـ قال: «أخرجه الترمذي في جامعه الكبير، في باب أبواب المناقب، عن رسول الله، وقد تقدّم بعض أسانيدي إليه. قال: ثنا الحسين بن يزيد الكوفي… هذا حديث حسن غريب.
قال ذوالنسبين ـ رحمه الله ـ: الحسن ما دون الصحيح، ممّا لا تنتهي رواته إلى درجة العدالة ولا تنحطّ ا لى درجة الفسق. وقال الترمذي في آخر كتابه: وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنّما أردنا حسن إسناده عندنا، كلّ حديث يروى، لا يكون في إسناده ممّن يتّهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذّاً ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن، وما ذكر في هذا الكتاب حديث غريب، فإنّ أهل الحديث يستغربون الحديث لمعان، ربّ حديث يكون غريباً لا يروى إلاّ من وجه واحد. ثمّ تمادى في شرح ذلك ووجوهه.
وقد ذكرت في كتابي المسمّى بالعلم المشهور أحاديث كثيرة، أوردها أبوعيسى في كتابه هذا، عن قوم كذّابين وحسّنها، وهي موضوعة ولا يصحّ أن تكون مرفوعة، فليرجع الناظر إليه فيما انتقدته عليه»(2).
وقال ابن تيمية بعد حديث في مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام:
«والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع»(3).
هذا، ونحن ذاكرون هنا بعض الأحاديث الموضوعة:
(1) جامع الاُصول 1: 194.
(2) شرح أسماء النبي = المستكفى ـ مخطوط.
(3) منهاج السنّة 5: 511.