طبقة الصّحابة
وطبقات المفسّرين عند علمائهم المعتمدين ست.
فالطبقة الاُولى: الخلفاء والصّحابة.
قال الحافظ جلال الدين السيوطي:
«النوع الثمانون ـ في طبقات المفسّرين:
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وابن عبّاس واُبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير»(1).
الخلفاء والتفسير
والظاهر أنّ إدخال الخلفاء الثلاثة في زمرة المفسّرين من الصحابة، ليس إلاّ من باب التأدّب تجاههم والتبرّك بأسمائهم! لتصريحهم بندرة رواية التفسير عن الثلاثة، والنادر كالمعدوم، ففي (الإتقان) مثلاً: «فأمّا الخلفاءُ، فأكثر من روي عنه منهم: علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدّاً» ثمّ قال: «ولا أحفظ عن أبي بكر في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جدّاً، لا تكاد تتجاوز العشرة»(2).
هذا، وسيأتي عن بعضهم التصريح بقلّة الرواية في التفسير عن أميرالمؤمنين أيضاً، حتّى كادت تكون معدومة عندهم، وإذا كان هذا حال الروايات عن «أكثر من روي عنه منهم» فما ظنّك بروايات البقيّة؟
والسبب في قلّة رواية التفسير عن الثلاثة: جهلهم بذلك وعدم تعلّم شيء منه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… جاء ذلك في (صحيح البخاري) عن أبي هريرة، فإنّه قال في مقام تبرئة نفسه عن الكذب على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«إنّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإنّ إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإنّ أباهريرة كان يلزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون»(3).
وقد أسمع ذلك اُبي بن كعب عمر، حينما اعترض عليه في بعض الآيات، فاعترف عمر بن الخطّاب بجهله واعتذر إليه:
في (كنز العمّال): «عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: سمعت بجالة التميمي قال: وجد عمر بن الخطّاب مصحفاً في حجر غلام، فيه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم. فقال: اُحككها يا غلام. فقال: والله لا أحكّها وهي في مصحف اُبي بن كعب، فانطلقوا إلى اُبي، فقال له اُبي: شغلني القرآن وشغلك الصّفق بالأسواق، إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء»(4).
وفي (كنز العمّال) أيضاً: «عن الحسن: إنّ عمر بن الخطّاب ردّ على اُبي ابن كعب قراءة آية، فقال له اُبي: لقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت يلهيك ـ يا عمر ـ الصفق بالبقيع. فقال عمر: صدقت»(5).
بل لقد اعترف بذلك عمر نفسه في بعض الموارد، كالحديث في (البخاري)، في قضيّة خبر أبي موسى في حكم الإستيذان وشهادة أبي سعيد الخدري له، قال عمر: «خفي عليَّ هذا من أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، ألهاني الصفق بالأسواق»(6).
وفي (حياة الحيوان): «كان أبوبكر الصدّيق بزّازاً، وكذلك عثمان وطلحة وعبدالرحمن بن عوف. وكان عمر دلاّلاً يسعى بين البائع والمشتري»(7).
وأمّا عليّ عليه السلام، فإنّه وإنْ نصّ السيوطي على أنّه أكثر من روي عند التفسير من الخلفاء، لكنّ بعض المتعصّبين منهم ينفي ذلك، ويحمله على الأكثريّة الإضافيّة، ألا ترى المتكلّمين منهم ـ حينما يريدون الردّ على استدلال أهل الحقّ على أعلميّة الإمام بالقرآن والتفسير، بانتشار هذا العلم عنه بين المسلمين ـ يبادرون إلى القول بأنّ ما روي عن علي ليس إلاّ أخباراً آحاداً، حتّى أنّ ابن تيميّة يقول بأنّ رواية ابن عبّاس في التفسير عن علي «قليلة جدّاً، ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئاً من حديثه عن علي»(8) ويقول: «وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عن علي»(9).
بل لقد قال غير واحد منهم بأنّ كلّ ما روي عنه عليه السلام فهو مكذوب عليه:
قال الذهبي في (ميزان الإعتدال): «حصين، عن الشعبي: ما كذب على أحد من هذه الاُمّة ما كذب على علي رضي الله عنه. وقال أيّوب: كان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن علي باطل»(10).
وفي (البخاري): «وكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن علي الكذب»(11).
وعلى هذا… فلنعطف عنان البحث والكلام نحو سائر الصحابة الأعلام، الذين ذكرهم السيوطي في الطبقة الاولى:
(1) الإتقان في علوم القرآن 4: 233.
(2) الإتقان في علوم القرآن 4: 233.
(3) صحيح البخاري 1: 40 كتاب العلم، باب حفظ العلم.
(4) كنز العمّال 13: 259/36763.
(5) كنز العمّال 13: 261/36766.
(6) صحيح البخاري 3: 72 كتاب البيوع، باب الخروج في التجارة.
(7) حياة الحيوان 1: 275 «الجزور».
(8) منهاج السنّة 4: 242.
(9) منهاج السنّة 4: 242.
(10) ميزان الاعتدال 1: 436/1627.
(11) صحيح البخاري 5: 24 باب مناقب المهاجرين ـ باب مناقب عليّ بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه.