ابن عمر في نظر عائشة
وقد أكثرت عائشة من الردّ على عبدالله بن عمر، وأبطلت قوله في مسائل عديدة، فقد أخرج مسلم في (الصحيح) قال:
«حدّثني هارون بن عبدالله، أخبرنا محمّد بن بكر البرساني، أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يخبر قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة، وإنّا لنسمع ضربها بالسواك تستن.
قال: فقلت: يا أباعبدالرحمن! اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في رجب؟
قال: نعم.
فقلت لعائشة: يا اُمتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمان؟
قالت: وما يقول؟
قلت: يقول: اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في رجب.
فقالت: يغفر الله لأبي عبدالرحمن، لعمري ما اعتمر في رجب، وما اعتمر من عمرة إلاّ وإنّه لمعه. قال: وابن عمر يسمع، فما قال لا ولا نعم، سكت»(1).
وقال ابن القيّم في (زاد المعاد):
«أمّا عذر من قال: اعتمر في رجب، فحديث عبدالله بن عمر: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتمر في رجب، متفق عليه، وقد غلّطته عائشة وغيرها كما في الصحيحين عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى. قال: فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة. قلنا له: كم اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أربعاً، إحداهنّ في رجب. فكرهنا أن نردّ عليه.
قال: وسمعنا استنان عائشة اُمّ المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا اُمة أو يا اُم المؤمنين! ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟
قالت: ما يقول؟
قال: يقول: إنّ رسول الله اعتمر أربع عُمَر، إحداهنّ في رجب.
قالت: يرحم الله أباعبدالرحمان، ما اعتمر جرسول اللهج عمرة قط إلاّ وهو شاهد، وما اعتمر في رجب قط. وكذلك قال أنس وابن عبّاس أنّ عمره كلّها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب»(2).
وفي (صحيح البخاري):
«عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى. قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة. ثمّ قال له: كم اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أربع، إحداهنّ في رجب. فكرهنا أن نردّ عليه.
قال: وسمعنا استنان عائشة اُم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا اُمّاه! يا اُمّ المؤمنين! ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟
قالت: ما يقول؟
قال: يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اعتمر أربع عمرات، إحداهنّ في رجب.
قالت: يرحم الله أباعبدالرحمن، ما اعتمر عمرة إلاّ وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط»(3).
وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن أبي مليكة:
«قال: توفّيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكّة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم… فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه.
فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: قد كان عمر يقول بعض ذلك… فذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزرَ اُخرى).
قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر شيئاً»(4).
وأخرج الطبراني عن موسى بن طلحة:
«قال: بلغ عائشة أنّ ابن عمر يقول: موت الفجأة سخطة على المؤمنين.
فقالت جعائشةج: يغفر الله لابن عمر، إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: موت الفجأة تخفيف على المؤمنين وسخطة على الكافرين»(5).
وأخرج أحمد، عن يحيى بن عبدالرحمان، عن ابن عمر، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«الشهر تسع وعشرون، فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله أباعبدالرحمن، إنّما قال الشهر لم ترد يكون تسعاً وعشرين»(6).
وأخرج البخاري عن ابن عمر:
«إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ بلالاً يؤذّن بليل، فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن اُم مكتوم»(7).
والبيهقي، عن عروة، عن عائشة:
«قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ابن اُمّ مكتوم رجل أعمى، فإذا أذّن فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن بلال، وكان بلال يبصر الفجر، وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر»(8).
فقال ابن حجر بشرحه:
«جاء عن عائشة أيضاً أنّها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول: إنّه غلط، أخرج ذلك البيهقي، من طريق الدراوردي، عن هشام، عن أبيه عنها. فذكر الحديث وزاد: قالت عائشة: و كان بلال يبصر الفجر. قال: وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر»(9).
(1) صحيح مسلم بن الحجاج 2: 916/1255 كتاب الحج الباب 35.
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد 1: 183 ـ 184.
(3) صحيح البخاري 3: 3 أبواب العُمرة ـ باب كم اعتمر النبي صلّى الله عليه وآله.
(4) صحيح البخاري 2: 101 كتاب الجنائز ـ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم يُعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه، صحيح مسلم 2: 641/928 كتاب الجنائز الباب 9.
(5) المعجم الأوسط 3: 402/3150.
(6) مسند أحمد بن حنبل 7: 77/23726.
(7) صحيح البخاري 3: 225 كتاب الشهادات ـ باب شهادة الأعمى.
(8) سنن البيهقي 1: 382.
(9) فتح الباري 2: 81.