إنكار عائشة ذلك
وقد أخرجوا أنّ عائشة قد بالغت في الإنكار على ابن عبّاس، فقد جاء في (صحيح الترمذي): «حدّثنا ابن أبي عمر، نا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي قال: لقي ابن عبّاس كعباً بعرفة، فسألهُ عن شيء، فكبّر حتّى جاوبته الجبال، فقال ابن عبّاس: إنّا بنو هاشم، فقال كعب: إنّ الله قسّم رؤيته وكلامه بين محمّد وموسى، فكلّم موسى مرّتين، ورآه محمّد مرّتين.
قال مسروق: فدخلت على عائشة فقلت: هل رأى محمّد ربّه؟ فقال: لقد تكلّمت بشيء قفّ له شعري. قلت: رويداً، ثمّ قرأتُ (لقد رأى من آيات ربّه الكبرى) قالت: أين يذهب بك، إنّما هو جبرئيل. من أخبرك أنّ محمّداً رأى ربّه أو كتم شيئاً ممّا اُمر به، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى (إنّ الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث…) فقد أعظم الفرية، ولكنّه رأى جبرئيل، ولم يره في صورته إلاّ مرّتين: مرّةً عند سدرة المنتهى، ومرّةً في جياد، له ست مائة جناح، قد سدّ الاُفق»(1).
وقد أخرج البخاري ومسلم إنكار عائشة وتكذيبها رؤية النبي ربّه(2).
وفي (عيون الأثر):
«وقد تكلّم العلماء في رؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم لربّه ليلة الإسراء، فروي عن مسروق عن عائشة أنّها أنكرت أنْ يكون رآه. قالت: ومن زعم أنّ محمداً رأى ربّه فقد أعظم الفرية على الله، واحتجّت بقوله سبحانه: (لا تدركه الأبصارُ وهو يُدرك الأبصارَ)»(3).
وإذا كان ابن عبّاس قد أعظم الفرية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد سقطت رواياته كلّها عن الإعتبار، سواء ما كان منها في الصحاح وفي غيرها من الكتب، لِما قرّروا في محلّه من أنّ من كذب في خبر وجب إسقاط جميع أخباره:
قال النووي في (التقريب): «قال السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدّم من حديثه».
وكذا قال شارحه السيوطي: «من كذب في حديث واحد رُدَّ جميع حديثه السابق»(4).
(1) صحيح الترمذي 5: 394/3278 كتاب تفسير القرآن 545.
(2) صحيح البخاري 6: 175 كتاب التفسير ـ سورة والنجم، صحيح مسلم 1/159/177 كتاب الإيمان الباب 77.
(3) عيون الأثر في المغازي والسير 1: 250.
(4) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1: 330 و332.