أبو هريرة عند عيسى بن أبان
وفي (روضة العلماء) أيضاً:
«وقال عيسى بن أبان: اُقلّد أقاويل جميع الصحابة إلاّ ثلاثة منهم: أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعل»(1).
فلماذا يخالف حنفيّة اليوم إمامهم في آرائه وفتاواه(2)؟ مع أنّ المستفاد من الكتب اتّباع السابقين منهم له في الطعن في أبي هريرة، ففي (المحلّى) في مسألة الخيار:
«وأمّا احتجاج أبي حنيفة بحديث المصراة، فطامّة من طوام الدهر، وهو أوّل مخالف له وزار عليه وطاعن فيه، ومخالف كلّ ما فيه، فمرّةً يجعله ذو التورّع منهم منسوخاً بتحريم الربا، وكذبوا في ذلك، ما للربا هاهنا مدخل، ومرّةً يجعلونه كذباً ويعرّضون بأبي هريرة، والله تعالى يخزيهم جيجزيهمج بذلك في الدنيا والاُخرى، وهم أهل الكذب لا الفاضل البرّ أبو هريرة رضي الله عنه وعن جميع الصحابة، وكبّ الطاعن على أحد منهم لوجهه ومنخريه»(3).
فإنّ ظاهر هذا الكلام متابعة الحنفيّة لإمامهم في رأيه حول أبي هريرة، حتّى دعا عليهم ابن حزم وتكلّم فيهم…
ويستفاد ذلك أيضاً من كلام الفخر الرازي في رسالته في (مناقب الشافعي) إذ قال:
«وأمّا أصحاب الرأي، فإنّ أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب، فتارةً يرجّحون القياس على الخبر، وتارةً بالعكس. أمّا الأوّل فهو إنّ مذهبنا أنّ التصرية سبب مثبت للردّ، وعندهم ليس كذلك. ودليلنا: ما اُخرج في الصحيحين عن أبي هريرة…
واعلم أنّ الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلاً البتّة ـ بسبب أنّه مفسّر في محلّ الخلاف ـ اضطرّوا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة وقالوا: إنّه كان متساهلاً في الرواية، وما كان فقيهاً…».
فإنّ المراد من أصحاب الرأي هم الحنفيّة كما هو واضح .
ويستفاد أيضاً من كلام ابن حجر في (فتح الباري):
«قال الحنابلة: واعتذر الحنفيّة عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتّى، فمنهم من طعن في الحديث، لكونه من رواية أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصّحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي، وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنىً عن تكلّف الردّ عليه… وقال ابن السمعاني في الإصطلام: التعرّض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة…»(4).
(1) روضة العلماء ـ مخطوط.
(2) وهو: فقيه العراق، تلميذ محمد بن الحسن، وقاضي البصرة، توفي سنة 221 كذا في سير أعلام النبلاء 10: 440، وتوجد ترجمته في تاريخ بغداد 11: 157 والجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة 1: 401 وغيرهما .
(3) المحلّى في الفقه 8: 372.
(4) فتح الباري 4:290 كتاب البيوع.