الميثاق والصّور
رأي السيّد المرتضى في خبر الميثاق
لقد نسب الشيخ عبدالعزيز الدهلوي صاحب كتاب (التحفة الإثني عشريّة) ـ تبعاً لشيخه الكابلي صاحب (الصواقع) ـ إلى السيّد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ الحكم بوضع خبر الميثاق، وقد أجاب عن ذلك علماؤنا الأعلام في ردودهم على كتاب (التحفة) بالجملة والتفصيل، وكان مجمل كلامهم: إنّ السيّد المرتضى لم يكذّب أخبار الميثاق المرويّة بالطرق المختلفة والأسانيد المتكثّرة، ونحن نذكر أوّلاً كلام (التحفة) ثمّ نعقّبه بنصّ عبارة السيّد المرتضى رحمه الله، ليتّضح واقع الحال، ويظهر كذب الدهلوي فيما نسب إلى السيّد من المقال:
قال الدهلوي في (التحفة) عند تعداد موارد غلوّ الإماميّة في الأئمّة المعصومين عليهم الصلاة والسلام:
«الثاني ـ قولهم: إنّ الله تعالى أخذ من الملائكة والأنبياء الميثاق على ولاية الأئمّة وطاعتهم.
وهذا أيضاً خلاف العقل تماماً، لأنّ أخذ الميثاق من الأنبياء على ذلك ـ مع العلم القطعي بعدم معاصرتهم للأئمّة ـ عبث محض، إذ الغرض من أخذ الميثاق هو النصرة والإعانة وبيان المناقب ونشر المدائح، وأيّ فائدة في ذلك مع عدم اتّحاد الزمان. وأمّا أخذ الميثاق منهم على بيان وصف خاتم الأنبياء كما في القرآن المجيد، فلأنّ نصوص نبوّته وصفاته ونعوته نازلة في الكتب السماويّة ومصرَّح بها فيها، ووجود أهل الكتاب في زمانه وإظهار تلك النصوص على يده مقطوع به، فلذا أخذ الميثاق من الأنبياء على تفهيم تلك النصوص وتبليغها إلى اُممهم، وأخذ ذلك الميثاق من الاُمم أيضاً، حتّى تبقى تلك النصوص قرناً بعد قرن، من دون تغيير وتبديل، إلى أنْ يأتي وقت الحاجة إلى إظهارها والإحتجاج بها.
بخلاف إمامة الأئمّة، فلا هي ممّا نزل في كتب الأنبياء، ولا هي ممّا اُبلغ به الاُمم، ولا ممّا وقعت الحاجة إلى إظهاره; لأنّ الإمامة إنّما تثبت بالنصّ من النبي، لكونها نيابةً عنه، ولم يراجع أهل الكتاب بشأنها ولم يكن لقولهم فيها اعتبار، ولو كان أخذ الميثاق في هذا الأمر ضروريّاً، لاُخذ من أبي بكر وعمر وعثمان، بل كان على النبيّ أنْ يأخذ منهم كتاباً في أنْ ليس لهم حقّ في الإمامة، ويستشهد على ذلك الثقات، ويودعه عند الأمير، لا أنْ يأخذ الميثاق من موسى وعيسى وهارون، الذين ليس لهم ولا لأتباعهم دخلٌ في غصب الإمامة من الأئمّة أو تقريرها والتسليم بها.
ومستمسك هؤلاء في هذا الغلوّ الباطل ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر يقول: إنّ الله أخذ ميثاق النبيّين بولاية عليّ بن أبي طالب.
وما رواه محمّد بن بابويه في كتاب التوحيد عن داود الرّقي عن أبي عبدالله في خبر طويل قال: لمّا أراد الله أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه وقال: من أنا؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأميرالمؤمنين والأئمّة عليهم السلام، فقالوا: أنت ربّنا. فحمّلهم العلم والدين ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمانتي من خلقي، ثمّ قال لبني آدم: أقرّوا لله بالربوبيّة ولهؤلاء النّفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربّنا أقررنا.
في هذه الرواية والرواية السابقة لم يذكر أخذ الميثاق من الملائكة، وإنّما الغرض من الرواية الثانية مجرّد إظهار فضل الأئمّة وشرفهم عند الملائكة، ومن الواضح أنْ لا معنى لأخذ الميثاق من الملائكة، ولذا لم يدخل الملائكة في أخذ ميثاق من المواثيق; لأنّ الميثاق إنّما يؤخذ من المكلَّفين، لأنّهم الذين يحتمل منهم الطاعة والعصيان، بخلاف الملائكة فإنّهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون ) فأيّ فائدة في أخذ الميثاق منهم؟
وأيضاً، فلم يذكر في الرواية الأخيرة أخذ الميثاق من الأنبياء، إلاّ أنْ يستفاد ذلك من عموم لفظ «بني آدم» ولكنْ قد اشتهر أنّه: ما من عام إلاّ وقد خصّ منه البعض.
وأيضاً، فإنّ هذه الرواية فيها أخذ ميثاق الطاعة للنبيّ والأمير والأئمّة فقط، فلابدَّ وأنْ يكون وجوب الطاعة للأنبياء أولي العزم وغيرهم ـ الذي لا شكّ في ثبوته ـ قد وقع بطريق البداء!
والرواية التي تعجب هؤلاء القوم تجدها في مجاميع الشيخ ابن بابويه، فقد روى ابن بابويه في خبر طويل عن ابن عباس عن النبي أنّه لمّا اُسري به وكلّمه ربّه قال بعد كلام: إنّك رسولي إلى خلقي وإنّ عليّاً وليّ المؤمنين، أخذت ميثاق النبيّين وملائكتي وجميع خلقي بولايته.
وأحوال الصفّار وابن بابويه ورجالهما ـ خصوصاً محمّد بن مسلم وغيره ـ معروفة، وركّة ألفاظ هذه الأخبار تشهد بكونها كذباً وافتراءً، ومع هذا، فإنّ أهل السنّة ـ والحمد لله ـ في غنىً عن توهين وتضعيف هذه الأخبار أو تأويل هذه المفتريات; لأنّ الشريف المرتضى ـ الملقَّب بزعم الشيعة بـ«علم الهدى» ـ قد أثبت جدارته بهذا اللقب في كتابه (الدرر والغرر) بتكذيب خبر الميثاق بكلّ جزم وحتم، وكفى الله المؤمنين القتال»(1).
(1) التحفة الاثني عشريّة : 161 .