هل كان سليم يرى أنّ الأئمّة ثلاثة عشر ؟
ونسب إلى سليم في كتابه القول بكون الأئمّة ثلاثة عشر لا اثني عشر، وقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: من ادّعى أنّه إمام وليس بإمام، يوم القيامة ( ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسوّدة ) قال الراوي: قلت: وإنْ كان علويّاً فاطميّاً؟ قال: وإن كان علويّاً فاطميّاً.
وفي (اعتقادات) الصدوق: والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون.
وفي (الفصول المهمّة) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: من ادّعى الإمامة من الله وليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً.
ومقتضى هذه الأخبار وأمثالها: خروج المدعي للإمامة كذباً، وكذا القائل بإمامته، عن الإسلام.
وكيف يجتمع هذا مع تلك المناقب الجليلة التي تذكر لسليم وكتابه؟
أقول :
إنّه على فرض وجود هذا المعنى في كتاب سليم، فإنّ جعل ذلك من افتراءات سليم افتراء على سليم، لأنّ من يدّعي وجوده في كتاب سليم لا يقول بثبوت نسبة الكتاب إليه.
إلاّ أنّه قد تبيّن بعد النظر الدقيق والفحص التام في ألفاظ الكتاب: عدم وجود ما يدلُّ على إمامة ثلاثة عشر إمام بعد النبي، بأنْ يكون هناك إمام آخر غير الأئمّة وأوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الإثني عشر… بل الأمر بالعكس، فقد وقع التصريح في مواضع عديدة من الكتاب بكون الأئمّة اثني عشر، وأنّ الأحد عشر منهم من أولاد أميرالمؤمنين وسيّد الوصيّين علي ابن أبي طالب:
فمنها: نقلاً عن عبدالله بن جعفر أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ليس في جنّة عدن منزل أفضل ولا أشرف ولا أقرب من العرش من منزلتي، ومعي فيه اثنا عشر من أهل بيتي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب سيّدهم وأفضلهم وأحبّهم إلى الله ورسوله، وابنتي فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة وهي زوجته في الدنيا والآخرة، وابناي الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وتسعة من ولد الحسين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، هداة مهديّون، وأنا المبلّغ عن الله وهم المبلّغون عنّي، وهم حجج الله تبارك وتعالى على خلقه وشهداؤه في أرضه، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، لا تبقى الأرض طرفة عين إلاّ ببقائهم ولا تصلح إلاّ بهم، يخبرون الاُمّة بأمر دينهم، حلالهم وحرامهم، يدلّونهم على رضا ربّهم وينهونهم عن سخطه»(1).
ومنها: عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «علي أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في اُمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين، واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا علَيّ الحوض»(2).
ومنها: عن عليّ عليه السلام في حديث: «فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأباذر والمقداد، وسمّى من يكون من أئمّة الهدى، الذين أمر الله المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم ثمّ ابنيّ هذان، أومأ بيده إلى الحسن والحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا، يعني الحسين»(3).
ومنها: عن علي عليه السلام أنّه قال: «يا سليم، إنّ أوصيائي أحد عشر رجلاً من ولدي، أئمّة هداة مهديّون»(4).
وإذا كان سليم يروي هذه النصوص في كتابه، فلا يعقل أنْ يروي ما يدلّ على كون الأئمّة ثلاثة عشر، فيتناقض ويكذّب تلك النصوص المتكثّرة، ومن هنا، فقد قال الدهلوي في (التحفة) أنّ من حكم العقل أنّه إذا روى الإنسان حديثاً عن بعض الأكابر أن لا يروي هو ما يكذّب ذلك الحديث.
والظاهر وقوع الإشتباه ممّن نسب إلى كتاب سليم القول بكون الأئمّة ثلاثة عشر، وكأنّ منشأ الإشتباه ما رآه في الكتاب من الخبر في أنّه سيكون من ولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اثنا عشر إماماً، فتوهّم أنّ الأئمّة من بعده علي والإثنا عشر، فهم ثلاثة عشر إماماً.
لكنّ أميرالمؤمنين عليه السلام داخل في الاثني عشر، وعدّه في أولاد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مجازاً صحيح بلا ريب، لكونه بمنزلة ابنه بلا كلام… قال الشيخ التقي المجلسي: «بل فيه ـ أي في كتاب سليم ـ إنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو على التغليب، مع أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان بمنزلة أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كما أنّه كان أخاه، وأمثال هذه العبارة موجودة في الكافي وغيره»(5).
وقال أبو علي في (منتهى المقال):
«وأمّا كون الأئمّة ثلاثة عشر، فإنّي تصفّحت الكتاب من أوّله إلى آخره، فلم أجده فيه، بل في مواضع عديدة إنّهم إثنا عشر، وأحد عشر من ولد علي»(6).
وتلخّص:
أنّه لم يثبت عند القائلين باعتبار كتاب سليم وجود إمامة غير الأئمّة الإثني عشر فيه، كما هو في نفس الأمر كذلك…
ووقوع الإشتباه ممّن يقدح في كتاب سليم ولا يرى اعتباره… ليس بعزيز، وما أكثر الأوهام والأغلاط الواقعة من محدّثي أهل السنّة، وليس منهم أحد إلاّ وقد صدر منهم الوهم والغلط، حتّى الصّحابة، كما يظهر بالرجوع إلى (عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة) وغيره من كتب تلك العصابة.
(1) كتاب سليم بن قيس 2 : 840 ، الحديث الثاني والأربعون .
(2) المصدر نفسه 2 : 645 ، الحديث الحادي عشر .
(3) المصدر نفسه 2 : 658 ، الحديث الحادي والعشرون .
(4) المصدر نفسه 2 : 824 ، الحديث السابع والثلاثون .
(5) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه 14 : 371 .
(6) منتهى المقال 3 : 379/ ترجمة سليم بن قيس .