منتهى الكلام للفيض آبادي
وكتاب (منتهى الكلام) تأليف المولوي حيدر علي الفيض آبادي، من هذا القبيل…
فقد ألّف الشيخ سبحان علي خان، من علماء الشّيعة في الهند، المتوفّى سنة 1264، رسالةً في حديث الحوض، قال صاحب (كشف الحجب والأستار):
«رسالة في حديث الحوض، لسبحان علي خان، رفع الله درجته في فراديس الجنان، ذكر فيها انطباق حديث الحوض على الخلفاء الثلاثة والتابعين لهم، صنّفها سنة 1252.
لقد أحسن وأجاد وأحرق ببيانه قلوب أهل العناد…»(1).
ولهذا الشيخ كتب ورسائل اُخرى منها:
رسالة في فضائح البخاري وصحيحه(2).
رسالة في حديث الثقلين(3).
رسالة في حديث الإثرة، ذكر فيها حديث الإثرة على الخلفاء الثلاثة(4).
رسالة في لزوم أفضليّة أولاد الشيخين من أولاد فاطمة عليها السلام على قواعد أهل السنّة أسماها بـ(لطافة المقال)(5).
فردّ عليه رشيد الدين الدهلوي ـ من تلاميذ صاحب التحفة الإثنى عشريّة ـ بكتاب أسماه (إيضاح لطافة المقال)(6).
فردّ عليه الشيخ سبحان علي خان بكتاب (فذلكة الكلام)(7).
كما ردّ عليه الشيخ حسين علي خان المتوفّى سنة بضع وأربعين ومائتين بعد الألف(8).
هذا، وقد ترجم صاحب (نزهة الخواطر) الشيخ سبحان علي خان، ووصفه بـ«الأمير الفاضل» قال: «وكان مع اشتغاله بمهمّات الاُمور يشتغل بالبحث والتنقير والمناظرة بأهل السنّة والجماعة، وبالشيعة الاُصوليّة، وله مصنّفات عديدة، منها: الباقيات الصالحات، ومنها: شمس الضحى» وأرّخ وفاته بسنة 1264(9).
لكنّ صاحب (كشف الحجب) وصفه بألقاب جليلة وصفات ضخمة، مثل:
«قدوة الأعيان واُسوة الأقران، راقم آثار الشرف على صحائف الإحسان، جامع أطوار الرعاية بين طوائف الإنسان، عين الإنسان، علاّمة الدوران، فريد الدهر والأوان».
«صدر الزمان، قدوة الأعيان، شرف أبناء الزمان بالتزام الفضل والإحسان، علاّمة الدوران، مليح البيان، فصيح اللّسان…».
«علاّمة الزمان واُعجوبة الدوران، فصيح البيان، مليح اللّسان، المزري لطائف منشآته على أزهار الربيع وأنوار البديع، ذي العز المنيع والفخر الرفيع…»(10).
وعلى الجملة، فقد ألّف الشيخ سبحان علي خان رسالته في حديث الحوض، وأثبت انطباقه على المشايخ، على أساس أحاديث القوم في أصحّ كتبهم ككتاب البخاري وغيره.
فلمّا وقف الشيخ المولوي الفيض آبادي المتوفّى سنة 1299 على رسالة حديث الحوض، ألّف في الردّ عليها كتاب (منتهى الكلام) بطلب من بعض أصدقائه، الذي ضاق صدره من «رواج التشيّع المحدَث!!» في بلاد الهند… كما قال… وهذه ترجمة كلامه في المقدّمة باختصار:
«بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي وفّقنا لمنتهى الكلام مع الخصام وتمييز الحق من الباطل كالنور من الظلم، وكرّمنا بتنبيهات أهل الخوض لاعتراضهم على حديث الحوض بتقرير اللّسان وتحرير القلم، والصّلاة والسلام على عباده الذين اصطفى سيّما من خصّ بالشفاعة العظمى يجري على لسانه ينابيع الحكم، وعلى آله وخلفائه الأربعة المتناسبة يشربون من السلسبيل ولن يسمعوا حسيس جهنّم، فبعداً وسحقاً لمن لم يزالوا مرتدّين عنهم من أهل الإبدال، يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال، يختلجون دون الأدبار فلا تدري أن يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم.
أمّا بعد، فيقول أقلّ الخليقة عديم الإدراك وذميم الأخلاق حيدر علي الفيض آبادي، أعطاه الله تعالى في الدنيا النفس اللّوامة وتجاوز عن جرائمه يوم القيامة، وبصّره بعيوب نفسه وجعل غده خيراً من أمسه، ابن صفوة الحفّاظ والعابدين الشيخ محمّد حسن، ابن قدوة العارفين الشيخ محمّد ذاكر، ابن اُسوة الواصلين الشيخ عبدالقادر الدهلوي، ألطفهم الله سبحانه بالإعادة وأكرمهم بالحسنى وزيادة:
إنّ أحد الأصدقاء الأحباب، الذي طالما تألّم ليلاً ونهاراً ممّا آل إليه أمر الدين، وضاق صدره وارتعد قلبه واحترق كبده من رواج التشيّع المحدَث، قد تمكّن من الحصول على رسالة ـ لإمام المتشيّعين، نظام المتكلّمين، البحر المحيط للفهم والفطانة، والنهر العميق للفصاحة والبلاغة، رئيس العلماء الكبار سبحان علي خان، جنّبه الله تعالى عن فساد اعتقاداته وبصّره الله ببطلان خيالاته وهفواته، ألّفها بسنة سبع وأربعين ومائتين وألف من الهجرة النبويّة، في حديث اُصيحابي ـ بواسطة بعض المؤمنين، وأطلعني عليها، وألحّ عليّ بأن أكتب ردّاً لها، فعزمت على إنجاح مرامه عوناً لأهل الحق والإنصاف، وصوناً لعقائدهم عن الزيغ والإعتساف…
ولمّا كان هذا الكتاب، بحيث يقول كلّ من وقف عليه ـ موافقاً كان أو مخالفاً ـ إنّه قد بلغ النهاية القصوى في البحث، فقد سمّيته بـ(منتهى الكلام)، ولمّا كان كلّ ورقة من أوراقه مشتملاً على تنبيه تعريضاً للمخالفين المعترضين على حديث الحوض ، الذين صدق عليهم قوله تعالى ( وكنّا نخوض مع الخائضين )فقد لقّبته بـ(تنبيهات أهل الخوض لاعتراضهم على حديث الحوض)».
ثمّ إنّه ذكر ثمان مقدّمات، فقال في المقدّمة الثامنة:
«إنّه لمّا كان دأبي في المناظرة مع الشيعة، بعد التحقيق في الموضوع وإلزامهم بالحجّة، هو قلب تقريراتهم في الإستدلال، فقد خصصت المسلك الثاني ـ بعد الفراغ من الأوّل ـ لهذا الغرض، وفصلت في هذا المسلك بين كلامي وكلام المؤلّف بخطوط لئلاّ يقع الخلط، وجعلت بعض مطالب المؤلّف الخارجة عن الموضوع في الخاتمة.
فجاء الكتاب مشتملاً على خاتمة ومسلكين، أحدهما جوابي والآخر انقلابي».
هذا، وقد تعرّض في المسلك الأوّل ـ الجوابي ـ لمسائل مهمّة، كقضيّة صلاة أبي بكر بالناس بأمر من النبي في مرضه صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما يروون ـ، وكونه معه في الغار ليلة الهجرة، وقضيّة تزوّج عمر بن الخطّاب باُمّ كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام ـ برضاً منه كما يزعمون ـ، وكان مقصوده من الأوليين إثبات فضيلة لأبي بكر، ومن الثالثة إنكار هجوم عمر على بيت الزهراء الطاهرة عليها السلام ودفع الطعن عليه، ونفي الخصومة بينه وبين الإمام عليه السلام.
أقول :
ولكنّي قد أثبتُّ في رسالة مفردة مطبوعة: أنّ صلاة أبي بكر تلك لم تكن بأمر من رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل إنّه لمّا علم بذلك خرج معتمداً على الإمام علي ورجل آخر، ورجلاه تخطّان في الأرض، وصلّى بالناس وتنحّى أبوبكر… فلا فضيلة له في تلك القضيّة إنْ لم يكن العكس.
وأثبتُّ في رسالة اُخرى مطبوعة: أنّ كلّ ما رواه القوم في كتبهم في زواج عمر باُمّ كلثوم لا أساس له من الصحّة، وأمّا ما جاء في رواية أصحابنا ـ بناءً على الأخذ به ـ فلا فائدة في الإستدلال به للخصم، بل يدلّ على عكس المدّعى.
وأمّا قصّة الغار، فالرسائل المؤلّفة فيها من قبل علمائنا متعدّدة، فقد كتب فيها السيّد الشهيد التستري صاحب كتاب (إحقاق الحق) والسيّد مير حامد حسين صاحب (استقصاء الإفحام) و(عبقات الأنوار) وكذا غيرهما من علماء الشيعة الكبار في بلاد الهند وغيرها… وإنّه ليكفي في هذه القضيّة أن نقول:
إنّه قد كان في ليلة الهجرة واقعتان، نزلت في كلّ منهما آية، إحداهما: مبيت مولانا علي أميرالمؤمنين في فراش النبي صلّى الله عليه وآله، والاُخرى: خروج أبي بكر معه إلى الغار. أمّا في الاُولى فنزلت الآية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )(11) وأمّا في الثانية فنزلت الآية ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا )(12).
أمّا عن علي عليه السلام، فأخبر الله عزّ وجلّ بأنّه قد «شرى نفسه» ابتغاء مرضات الله، وأمّا عن أبي بكر فأخبر عن حزنه ونهي النبي إيّاه… فكم فرق بين الحالين؟ ولذا ورد مباهاة الله سبحانه بفعل عليّ في رواية الفريقين(13).
أمّا في المسلك الثاني ـ الإنقلابي ـ فقد حاول الفيض آبادي التهجّم على الشيعة الإثنى عشريّة في بعض عقائدها، والطعن في بعض كتبها، والكذب على بعض علمائها.
فتعرّض لمسألة ولادة الإمام المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام، ولمسألة البداء، ونسب إلى الشيعة القول بنقصان القرآن الكريم… وإلى السيّد المرتضى علم الهدى إنكار الميثاق…
وحاول الطعن في تفسير علي بن إبراهيم القمي، والتكلّم في كتاب سليم بن قيس الهلالي…
وهكذا في مسائل اُخرى…
(1) كشف الحجب والأستار : 258/1363 .
(2) كشف الحجب والأستار : 276/1478 .
(3) كشف الحجب والأستار : 257/1362 .
(4) كشف الحجب والأستار : 257/1361 .
(5) كشف الحجب والأستار : 479/2701 .
(6) كشف الحجب والأستار : 479/ ضمن 2701 .
(7) كشف الحجب والأستار : 397/2296 .
(8) كشف الحجب والأستار : 534/2999 وسمّاه بـ (معتمد الكلام) .
(9) نزهة الخواطر ـ تراجم كبار علماء الهند 7/195 .
(10) كشف الحجب والأستار : 599 ، 257 ، 161 ـ 162 .
(11) سورة البقرة 2:207 .
(12) سورة التوبة 9:40 .
(13) الأمالي للشيخ الطوسي : 469 / ضمن الحديث 1031 . تفسير الثعلبي 2:125 ـ 126 ، اُسد الغابة 4/25 تفسير الرازي 3/222 والآية في سورة البقرة : 207 .