مذهب الأشعريّة عين مذهب الجهميّة
فهذا الكلام صريح في أنّ مذهب الأشعرية عين مذهب الجهميّة، وهو الجبر، وهذا عين السفسطة كما صرّح في (فواتح الرحموت):
«عند الجهميّة الذين هم الجبريّة حقّاً، لا قدرة للعبد أصلاً على الكسب ولا على الإيجاد، بل هو كالجماد الذي لا يقدر على شيء، وهذا سفسطة، فإنّ كلّ عاقل يعلم من وجدانه أنّ له نحواً من القدرة، والذي شجّعهم على هذه السفسطة رواية نصوص خلق الأعمال، ولم يتعمّقوا فيها»(1).
وقال نظام الدين في (شرح مسلّم الثبوت):
«وعند أهل الحق، له أي للعبد، قدرة كاسبة، لكن عند الأشعريّة ليس معنى ذلك، أي وجود القدرة الكاسبة له، إلاّ وجود قدرة متوهّمة مع الفاعل بلا مدخليّة للعبد أصلاً، وحاصله: أنّ العبد ليس له قدرة ولا لا قدرة ولا دخل، بل بين الفعل والعبد ليس علاقة إلاّ علاقة المحليّة والحاليّة، كالسواد القائم بجسم غير مقتض له.
قالوا أي الأشعريّة: إنّ ذلك، أي وجود قدرة متوهّمة، كاف في التكليف.
والحقّ: إنّه كفؤ للجبر عند التحقيق، فهم وإن احترزوا عن الجبر لفظاً، لكن قلوبهم به مؤمنة، إذ ليس نسبة الفعل إلى العبد نسبة الفاعليّة ولا نسبة الشرطيّة، فلا علاقة بينهما، فالعبد كالسكين لله تعالى، وهذا هو الجبر حقيقة. ثمّ اكتفاؤهم بهذه القدرة التي اخترعوها في التكليف أيضاً غير معقول، لكن يتأتى على أصلهم، فإنّ تكليف العاجز جائز عندهم، ثمّ إنّهم وإن قالوا بجواز تكليف الإنسان بما لا يطيقه لكن منعوا وقوعه، ولم يدروا أنّ كلّ تكليف فإنّه تكليف بالمحال، فإنّه لا فرق بين إيجاب الحركة على المرتعش وبين إيجابه على غيره، وكذا النهي للأعمى عن البصر ونهي الكفّار عن الكفر، ولا يعرّج عليه عاقل، واعتذر عنه بما لا ينفع».
(1) فواتح الرحموت 1 : 40 .