في الهند
وفي الهند، كذلك… وخاصّة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر… فقد نبغ بين الشيعة الإماميّة في تلك البلاد، فقيه كبير، ومجاهد عظيم، هو السيّد دلدار علي بن معين الدين النقوي المولود سنة 1166 والمتوفّى سنة 1235(1)، الذي انتشرت بفضل جهوده تعاليم المذهب الجعفري في تلك الأرجاء، وانتظمت على يده اُمور الطائفة، بعد أن كانوا متفرّقين ليست لهم دعوة إلى مذهبهم، وما كانت لهم جامعة تجمعهم، واشتغل طيلة أيّام حياته الشريفة بترويج الدين ونشر الأحكام بإقامة الشعائر وتأليف الكتب وتربية العلماء.
ولمّا وصل خبره إلى حسن رضاخان ـ من وزراء حكومة «أوده» في لكنهواستدعاه للإقامة بلكنهو، فهاجر إليها، وانصرف إلى بثّ تعاليم الدين وإقامة الشعائر.
وكان العلاّمة المولى محمّد عليّ الكشميري الشهير بپادشاه(2) نزيل فيض آباد، قد ألّف في تلك الأيّام رسالة في فضل صلاة الجمعة، حثّ فيها السّلطان آصف الدولة ابن الشجاع بن صدر جنك سلطان مملكة «أوده» في لكنهو، على إقامة الجمعة، وذكر من هو أهل لإمامة الجماعة، وهم: السيّد دلدار عليّ وتلميذاه الميرزا محمّد خليل والأمير السيّد مرتضى، فأمر السلطان بإقامتها، ورشّح السيّد لها. فأقامها ابتداء من ظهر اليوم الثالث عشر من رجب ـ يوم ولادة أميرالمؤمنين عليه السلام ـ سنة 1200.
ثمّ اُقيمت الجمعة في السابع والعشرين منه، يوم مبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت أوّل صلاة جماعة للشيعة تقام في تلك الديار.
ثمّ استمرّت الجماعة والخطب، وانتشرت أندية الذكر ومجالس الوعظ، واهتمّ السلطان لترويج الشريعة، وتشييد الدين، وكثر طلاّب العلم، وأخذوا يتواردون على السيّد من كلّ صوب(3).
قال السيّد عبدالحيّ اللكهنوي المحقّق السنّي: ثمّ إنّه بذل جهده في إحقاق مذهبه وإبطال غيره من المذاهب، لاسيّما الأحناف والصوفيّة والأخباريّة، حتّى كاد يعمّ مذهبه في بلاد «أوده» ويتشيّع كلّ الفرق(4).
وفي هذه الأيّام خرج للناس كتاب للمولوي شاه عبدالعزيز بن شاه وليّ الله الدهلوي الحنفي، المولود سنة 1159، والمتوفّى سنة 1239 باسم (التحفة الإثنى عشريّة) في الردّ على الشيعة الإماميّة…
قال في مقدّمة الكتاب:
«وقد سمّيت هذه الرسالة بـ(التحفة الإثنى عشريّة) ولقّبتها بـ(نصيحة المؤمنين وفضيحة الشياطين).
وكان السبب في تأليف هذه الرسالة وتحرير هذه المقالة هو: إنّ البلاد التي نحن بها ساكنون، وفي هذا الزّمان الذي نحن فيه، قد راج مذهب الإثنى عشريّة وشاع، حتّى قلّ بيتٌ لم يتمذهب من أهله واحد أو اثنان بهذا المذهب، ولم يرغب فيه، لكنّ أكثرهم جاهلون بالتاريخ والأخبار…».
فألّف علماء الشيعة في تلك الديار الردود الحاسمة على كتاب (التحفة) وأشهرها كتاب (عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار) الذي سنتحدّث عنه فيمابعد باختصار.
(1) اُنظر : أعيان الشيعة 6/425 ، هدية العارفين 5/772 .
(2) أعلام الشيعة ، نزهة الخواطر 7/456 .
(3) أعلام الشيعة ـ الكرام البررة 2/519 .
(4) نزهة الخواطر 7/167 .