روايات السنّة في البداء
والروايات والأخبار المخرّجة في كتب أهل السنّة من طرقهم، الدالّة على عقيدة البداء عن الصحابة والتابعين كثيرة:
فالرواية الأولى ما أخرجه جماعة من الأئمة عن مجاهد.
قال السيوطي في تفسيره (الدر المنثور):
«أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالت قريش حين اُنزل: ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلاّ بإذن الله ) ما نراك يا محمّد تملك من شيء ولقد فرغ من الأمر، فاُنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) إنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ويحدث الله تعالى في كلّ رمضان، فيمحو الله ما يشاء ويثبت من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم»(1).
الرواية الثانية عن ابن عباس كما في (الدر المنثور) حيث قال:
«أخرج عبدالرزاق والفريابي وابن جرير وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس رضي الله عنه في قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال: ينزل الله في كلّ شهر رمضان إلى سماء الدنيا، فيدبّر أمر السّنة إلى السّنة في ليلة القدر، فيمحو الله ما يشاء ويثبت، إلاّ الشقاوة والسعادة والحياة والمماة»(2).
الرواية الثالثة عن جابر، ففي (الدر المنثور):
«أخرج ابن سعد وابن جرير وابن مردويه عن الكلبي رضي الله عنه في الآية قال: يمحو الله من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه.
فقيل له: من حدّثك بهذا؟
قال: أبو صالح عن جابر بن عبدالله بن رباب الأنصاري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم»(3).
وقال السيوطي في رسالته (إفادة الخبر بنصّه في زيادة العمر ونقصه):
«أخرج ابن جرير وابن مردويه في تفسيرهما عن الكلبي في قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال: يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه.
فقيل: من حدّثك بهذا؟
قال: أبو صالح عن جابر بن عبدالله بن رباب الأنصاري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم».
الرواية الرابعة عن أبي الدرداء، قال عمر بن عادل في (اللّباب):
«روى أبوالدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من اللّيل، فينظر في الساعة الاُولى منهنّ في اُمّ الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت»(4).
الرواية الخامسة ما رواه ابن مردويه في تفسيره، وابن عساكر في تاريخه عن أميرالمؤمنين، فقد قال السيوطي في (إفادة الخبر بنصّه):
«أخرج ابن مردويه في تفسيره وابن عساكر في تاريخه عن عليّ رضي الله عنه: إنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت )فقال: لاُقرّنّ عينك بتفسيرها، ولاُقرّنّ عين اُمّتي بعدي بتفسيرها:
الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف، يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء».
وفي (الدر المنثور) بتفسير الآية:
«أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّ رضي الله عنه إنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية، فقال له: لاُقرّنّ عينك بتفسيرها، ولاُقرّنّ عين اُمّتي بعدي بتفسيرها:
الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف، يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء»(5).
وقال القاضي ثناء الله في (تفسيره):
«سأل عليّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية ـ يعني ( يمحو الله )الآية ـ قال: لاُقرّنّ عينك بتفسيرها واُقرّنّ عين اُمّتي بتفسيرها: الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر.
مر، أي رواه ابن مردويه.
قلت: المراد بهذا القضاء المعلّق».
الرواية السادسة ما أخرجه الحاكم وصحّحه، كما في (الدر المنثور) قال:
«أخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر»(6).
الرواية السابعة عن قيس بن عبّاد، أخرجها ابن جرير.
قال في (الدر المنثور):
«أخرج ابن جرير عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: العاشر من رجب يمحو الله فيه ما يشاء»(7).
الرواية الثامنة أخرجها جماعة عن قيس بن عباد أيضاً.
قال في (الدر المنثور):
«أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: لله أمر في كلّ ليلة العاشر من الأشهر الحرم، أمّا العاشر من الأضحى فيوم النحر، وأمّا العاشر من المحرّم فيوم عاشورا، وأمّا العاشر من رجب ففيه يمحو الله ما يشاء ويثبت.
قال: ونسيت ما قال في ذي القعدة»(8).
الرواية التاسعة عن عمر بن الخطّاب، أخرجها جماعة.
قال في (الدر المنثور):
«أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إنّه قال ـ وهو يطوف بالبيت ـ : اللهمّ إن كنت كتبت عليّ شقاوة أو ذنباً فامحه، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك اُمّ الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة»(9).
الرواية العاشرة عن ابن مسعود:
«أخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما دعا عبدٌ قط بهذه الدعوات إلاّ وسّع الله عليه في معيشته:
يا ذاالمنّ ولا يمنّ عليه، يا ذاالجلال والإكرام، يا ذا الطَّوْل، لا إله إلاّ أنت، ظهر اللاّجين وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني عندك في اُمّ الكتاب شقيّاً، فامح عنّي اسم الشقاوة وثبّتني عندك سعيداً، وإن كنت كتبتني عندك في اُمّ الكتاب محرّماً مقتَّراً علَيّ رزقي، فامح حرماني ويسّر رزقي وثبّتني عندك سعيداً موفّقاً للخير، فإنّك تقول في كتابك الذي أنزلت ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب )».
هكذا في (الدر المنثور)(10).
ورواه عمر بن عادل الحنبلي في تفسيره (اللباب في علوم الكتاب) عن ابن مسعود وعمر فقال:
«عن ابن عمر وابن مسعود إنّهما قالا: يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء.
وروي عن عمر: إنّه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني وثبّتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك اُمّ الكتاب، ومثله عن ابن مسعود»(11).
وقال الفخر الرازي بتفسير الآية: ( يمحو الله ما يشاء ):
«في هذه الآية قولان:
الأوّل: إنّها عامّة في كلّ شيء كما يقتضيه ظاهر اللّفظ، قالوا: إنّ الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر.
وهو مذهب عمر وابن مسعود.
ورواه جابر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»(12).
أقول :
وقد ذكر مذهب ابن مسعود وعمر بن الخطّاب بتفسير الآية في تفسير ابن كثير والقرطبي والواحدي وابن الجوزي والبيضاوي وغيرهم، وقد نسب ذلك في بعضها إلى غيرهما من الصّحابة أيضاً.
الرواية الحادية عشر أخرجها ابن جرير عن مجاهد.
قال السيوطي في (الدر المنثور) و(إفادة الخبر بنصّه):
«أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت )قال: الله ينزّل كلّ شيء يكون في السنة في ليلة القدر، فيمحو ما يشاء من الآجال والأرزاق والمقادير إلاّ الشقاوة والسعادة».
الرواية الثانية عشر ، أخرجها جماعة عن ابن عباس.
قال في (الدر المنثور):
«أخرج ابن جرير ومحمّد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال: من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت وعنده اُمّ الكتاب. أي جملة الكتاب»(13).
الرواية الثالثة عشر رواها ابن جرير عن كعب الأحبار، وهو جليل القدر عندهم، وإنْ كذَّبه ابن عباس في بعض الأحاديث كما في (حياة الحيوان)(14).
قال السيوطي في (الدر المنثور):
«أخرج ابن جرير عن كعب رضي الله عنه أنّه قال لعمر رضي الله عنه: يا أميرالمؤمنين، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وما هي؟ قال: قول الله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب )»(15).
وهذه الرواية ـ بالإضافة إلى دلالتها على البداء ـ تدلّ على أفضلية كعب الأحبار من عمر بل الثلاثة، فقد ادّعى العلم بجميع الامور المستقبلة إلى يوم القيامة، والقوم لم يكذّبوه في هذه الدعوى التي ليس لأحد من الثلاثة أنْ يدَّعيها.
وإذا جاز لكعب أن يدّعي مثل هذه الدّعوى، وأنْ يتلقّاها القوم بالتصديق، فلماذا يستبعدون ما ورد في هذا الباب عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام؟
قال في (البحار):
«عن أميرالمؤمنين عليه السلام إنّه قال: لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب )(16).
وأيضاً في (البحار):
«عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: لولا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة، فقلت: أيّة آية؟ قال: قول الله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب )»(17).
الرواية الرابعة عشر رواها ابن جرير عن الضحاك، قال في (الدر المنثور):
«أخرج ابن جرير عن الضحّاك رضي الله عنه في الآية قال: يقول: أنسخ ما شئت وأصنع في الآجال ما شئت، إن شئت زدت فيها وإن شئت نقصت، وعنده اُمّ الكتاب. قال: جملة الكتاب وعلمه، يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت»(18).
(1) الدر المنثور 4 : 659 .
(2) الدر المنثور 4 : 659 .
(3) الدر المنثور 4 : 660 .
(4) اللباب في علوم الكتاب 11 : 320 .
(5) الدر المنثور 4 : 661 .
(6) الدر المنثور 4 : 661 .
(7) الدر المنثور 4 : 661 .
(8) الدر المنثور 4 : 661 .
(9) الدر المنثور 4 : 661 .
(10) الدر المنثور 4 : 661 .
(11) اللباب في علوم الكتاب 11/320 .
(12) تفسير الرازي 19 : 64 ـ 65 .
(13) الدر المنثور 4 : 660 .
(14) حياة الحيوان 1 : 258 .
(15) الدر المنثور 4 : 664 .
(16) بحارالأنوار 4 : 97 .
(17) بحارالأنوار 4 : 118 .
(18) الدر المنثور 4 : 664 .