حول كلام الطبرسي في آية الصّور
وقد نسب إلى الشيخ الطبرسي بل إلى الشيخ المفيد القول بأنّ «الصور» في قوله تعالى: ( ونُفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض )(1) هو «جمع صورة» وليس المراد «صور إسرافيل».
وهذه النسبة باطلة، وقد نشأت من الخطأ والغلط في فهم عبارة الشيخ المجلسي…
فإنّ هذا المتوهّم قد نظر إلى قول الشيخ المجلسي: «وأمّا الصور فيجب الإيمان به، على ما ورد في النصوص الصريحة، وتأويله بأنّه جمع الصورة كما مرَّ من الطبرسي وقد سبقه الشيخ المفيد…»(2) وغفل عن كلامه السابق حيث قال:
«قال الطبرسي في قوله تعالى: ( ونُفِخ في الصور ): اختلف في الصور.
فقيل: هو قرن ينفخ فيه. عن ابن عباس وابن عمر. وقيل: هو جمع صورة، فإنّ الله يصوّر الخلق في القبور كما صوّرهم في أرحام الاُمّهات، ثمّ ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام اُمّهاتهم. عن الحسن وأبي عبيدة. وقيل: إنّه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات: النفخة الاُولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق يصعق من في السماوات والأرض بها فيموتون، والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم»(3).
فهذا كلام صاحب (مجمع البيان)، وأين اختيار القول الذي نسب إليه؟
فقول الشيخ المجلسي: «كما مرّ من الطبرسي» يعني: كما مرَّ نقل هذا القول ـ الذي قاله غير الطبرسي ـ من الطبرسي، حيث نقله في تفسيره، لا أنّه قائل به ومعتقد له.
بل لعلّ في تقديمه القول الأوّل إشارة إلى اختياره له… بل إنّ كلامه في تفسير الآية المذكورة صريح في ذلك، فإنّه قال في (مجمع البيان):
«( ونفخ في الصور ) وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل. ووجه الحكمة في ذلك: إنّها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق، فشبّه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول، ولا تتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة. وقيل: إنّ الصّور جمع صورة، فكأنّه ينفخ في صور الخلق»(4).
ثمّ قال رحمه الله: «( فصعق من في السماوات ومن في الأرض ) أي: يموت من شدّة تلك الصيحة التي يخرج من الصور جميع من في السماوات والأرض، يقال: صعق فلان: إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة».
قال: «( ثُمّ نُفِخ فيه اُخرى ) يعني: نفخة البعث، وهي النفخة الثانية. وقال قتادة في حديث رفعه: إنّ ما بين النفختين أربعين سنة. وقيل: إنّ الله تعالى يفني الأجسام كلّها بعد الصعق وموت الخلق ثمّ يعيدها. وقوله: ( فإذا هم قيام )إخبار عن سرعة إيجادهم، لأنّه سبحانه إذا نفخ النفخة الثانية أعادهم عقيب ذلك فيقومون من قبورهم أحياء»(5).
وعلى هذا المنوال كلامه في تفسيره الآخر (جوامع الجامع) في قوله تعالى: ( يوم يُنْفَخ في الصور )(6): «والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل نفختين، فيفنى الخلق بالنفخة الاُولى ويحيون بالثانية .وعن الحسن إنّه جمع صورة»(7).
وقد قال في (مجمع البيان) بتفسيرها: «وأمّا الصور فقيل فيه إنّه قرن ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام نفختين، فيفنى الخلائق كلّهم بالنفخة الاُولى ويحيون بالنفخة الثانية، فتكون الاُولى لانتهاء الدنيا والثانية لابتداء الآخرة. وقال الحسن: هو جمع صورة ، كما أنّ السور جمع سورة، وعلى هذا فيكون معناه: يوم ينفخ الروح في الصور.
ويؤيّد الأوّل: ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّه قال: كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن وحنا جبينه وأصغى سمعه ينتظر أنْ يؤمر فينفخ؟ قالوا: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
والعرب تقول: نفخ الصور ونفخ في الصور، قال الشاعر:
لولا ابن جعدة لم يفتح قهندركم *** ولا خراسان حتّى ينفخ الصور»(8)
وكما أيّد القول الأوّل هنا بالحديث، كذلك أيّده به بتفسير ( ويوم ينفخ في الصور ) حيث قال: «وقد ورد ذلك في الحديث» أي: إنّ القول الآخر لا مؤيّد له في الأحاديث…
وقال بتفسير ( فإذا نُقِر في الناقور ): «الناقور فاعول من النقر، كهاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم، وهو الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به» قال:
«معناه: إذا نفخ في الصور، وهي كهيئة البوق، عن مجاهد. وقيل: إنّ ذلك في النفخة الاُولى وهو أول الشدّة الهائلة العامة. وقيل: إنّه النفخة الثانية، وعندها يحيي الله الخلق وتقوم القيامة وهي صيحة الساعة، عن الجبائي»(9).
وعلى الجملة، فإنّ التتبع في كلمات الشيخ الطبرسي في المواضع المختلفة من تفسيريه، يفيد أنّ ما نسب إليه من إنكار الصور بالمعنى بالمذكور من غرائب التوهّمات، بل من عجائب الإفتراءات.
(1) سورة الزمر 39 : 68 .
(2) بحارالأنوار 6 : 336 .
(3) بحارالأنوار 6 : 318 .
(4) مجمع البيان في تفسير القرآن 8 : 459 .
(5) مجمع البيان 8 : 460 .
(6) سورة الأنعام 6 : 73 .
(7) جوامع الجامع 1 : 584 .
(8) مجمع البيان 4 : 95 .
(9) مجمع البيان 10 : 191 و195 .