حول كتاب سليم بن قيس الهلالي
قال الفيض آبادي مامحصّله معرّباً:
كنّا نعتقد منذ القديم، وعلى أثر التتبع والنظر في اُصول وقواعد مذهب الشيعة، أنّ أصحّ الكتب عندهم قبل القرآن هو: كتاب الكافي لأبي جعفر الكليني، وقد أرسل إليّ في هذه الأيّام بعض الأصدقاء كتاب التفسير لأهل البيت الطاهرين، لجامعه شيخ مشايخ الإماميّة علي بن إبراهيم القمي اُستاذ الكليني، ومجلَّد كتاب الفتن من بحار الأنوار للشيخ محمّد باقر مع ترجمته لمجتهد العصر وعلاّمة الدهر، فوجدت الشيخ المذكور ـ أعني أفضل متكلّمي الشيعة المتأخّرين الشيخ المجلسي ينصّ على أنّ كتاب سليم بن قيس هو الأقدم والأفضل.
ولديَّ من كتاب سليم نسخة أوّلها:
قال: حدّثني أبوطالب محمّد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة 334 قال: أخبرني أبو عمر عصمة بن أبي عصمة البخاري قال: حدّثنا أبوبكر أحمد بن المنذر بن أحمد الصنعاني بصنعاء ـ شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدميري ـ قال: حدّثنا أبوبكر عبدالرزاق بن همام بن النافع الصنعاني الحميري قال: حدّثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري قال: دعاني أبان بن أبي عياش، قبل موته بنحو شهر…
ونقل المجلسي عن النعماني أنّه وصف الكتاب المذكور بأنّه أصل من الاُصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام، وهو أقدمها، لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب هو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر، ومن جرى مجراهم ممّن شهد رسول الله وأميرالمؤمنين وسمع منهما، وهو من الاُصول التي ترجع الشيعة إليها وتعوّل عليها.
وجلالة قدر هذا الكتاب ظاهرة أيضاً من كتب الشيخين عند تلك الطائفة.
وقد وصف البرقي مؤلّفه بأنّه من الأولياء الكاملين من أصحاب أميرالمؤمنين.
وجعله الميرزا محمّد الإسترابادي في منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ـ تبعاً لأسلافه ـ من المعدَّلين والمعتمدين.
وكيف لا يكون كذلك؟ وقد عدَّه الإمام الأعظم الحلّي في خلاصة الأقوال والشيخ محمّد تقي والد الفاضل المجلسي في رجال روضة المتقين، من خلّص أصحاب المرتضى.
بل إنّه ـ كما قال بعض الأجلّة ـ إنّما صنّف الكتاب المذكور بأمر من أميرالمؤمنين.
وفي البحار من طريق عمر بن اُذينة عن أبان: أنّ سليماً قد احتاط في هذا الكتاب إلى حدّ ـ والعياذ بالله ـ لم يثق بما رواه عن أميرالمؤمنين وحده، وكذا كلٌّ من أصحابه الثلاثة، يعني سلمان وأباذر والمقداد، حتّى يسمع الخبر من البقيّة، فإذا اجتمعوا على شيء كتبه، وهذا هو صريح كلامه حيث قال: «أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبرّ، عن عليّ بن أبي طالب وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود، ليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلاّ سألت عنه الآخر، حتّى اجتمعوا عليه جميعاً».
وقد جاء في آخر النسخة: أنّه قد عرض الكتاب كلّه على سيّد الساجدين وكان في مجلسه أبوالطفيل صحابي رسول الله، وعمر بن أبي سلمة ابن اُم المؤمنين اُم سلمة رضي الله عنها، فأقرّوه كلّهم.
وفي البحار: «قال أبان: فحججت من عامي ذلك، فدخلت على عليّ ابن الحسين وعنده أبوالطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان من خيار أصحاب عليّ عليه السلام، ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن اُم سلمة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعرضته عليه وعرضت على علي بن الحسين ذلك أجمع ثلاثة أيام، كلّ يوم إلى اللّيل، ويغدو عليه عمر وعامر، فقرأته عليه ثلاثة أيام. فقال لي: صدق سليم رحمه الله، هذا حديثنا كلّه نعرفه، وقال أبوالطفيل وعمر بن أبي سلمة: ما فيه حديث إلاّ وقد سمعته من علي ومن سلمان وأبي ذر ومن المقداد».
والإمام محمّد الباقر عليه السلام، بعد أنْ استمع إلى قصّة الكتاب ومؤلّفه، جعل يمدحه بالصدق والسداد والرشد والرشاد.
ولا يخفى على أحد: أنّ يعقوباً الكليني الذي استفاد كثيراً من سليم وأمثاله، لم يصل إلى هذه المراتب العالية، وكتابه الذي شحنه بروايات الملحدين في الآفاق، من أمثال زرارة وشيطان الطاق، لا يصل إلى هذه المراتب القصوى.
ورواة كتاب سليم من أجلاّء أصحاب سيّد الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم وأمثالهم، الذين هم ـ كما وصفهم الإمام الرضا ـ كالنجوم في السماء، وهو كتاب مقبول عند أئمّة الهدى من أوّله إلى آخره، ويعدُّ جامعه فيمن لازم أميرالمؤمنين وكان من كمّل أصحابه الأطياب، بالإضافة إلى الوقائع الكثيرة التي شاهدها سليم منذ زمن إمامته إلى زمان إمامة الإمام الباقر.
أمّا الكليني فقد سمع ذلك عن لسان الآخرين.
ولمزيد الإعتماد ودفع الإشتباه وتحقيق الاُمور، رجع سليم إلى الحسنين عليهما السلام أيضاً، كما في اعتقادات صدوق المتشيّعين وصحيفة المتقين. وليس الخبر كالمعاينة.
وبالنظر إلى هذه الوجوه اليقينيّة، فلو حلف أحد على صحّة كتاب سليم ما كان حانثاً.