جماعة من القدماء
فإنّ ذلك مذهب جماعة من القدماء… فقد قال في (الملل والنحل) بعد ذكر مذهب أحمد بن حنبل وأمثاله من منع تأويل الآيات الدالّة على التشبيه:
«وليس ـ أي هذا المذهب ـ من التشبيه في شيء، غير أنّ جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشويّة صرّحوا بالتشبيه، مثل الهشامين من الشيعة، ومثل مضر وكهمس وأحمد الهجيمي وغيرهم من أهل السنّة قالوا: معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض روحانيّة وجسمانيّة، ويجوز عليه الانتقال والصعود والنزول والاستقرار والتمكّن.
فأمّا مشبّهة الشيعة، فسيأتي مقالاتهم في باب الغلاة.
وأمّا مشبّهة الحشويّة، فقد حكى الأشعري عن محمّد بن عيسى أنّه حكى عن مضر وكهمس وأحمد الهجيمي إنّهم أجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة، وإنّ المخلصين من المسلمين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والإجتهاد إلى حدّ الإخلاص والإتحاد المحض، وحكى الكعبي عن بعضهم إنّه كان يُجوّز الرؤية في الدنيا وأن يزوره ويزورهم. ويحكى عن داود الجواربي إنّه قال: إعفوني عن اللّحية والفرج وسلوني عمّا وراء ذلك، وقال: إنّ معبوده جسم ولحم ودم، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين واُذنين، وهو مع ذلك جسم لاكالأجسام، ولحم لا كاللحوم، ودم لا كالدماء، وكذلك سائر الصفات، وهو لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء. وحكي أنّه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره ومصمّت ما سوى ذلك، وأنّ له وفرةً سوداء، وله شعر قطط.
وأمّا ما ورد في التنزيل من الإستواء واليدين والوجه والرجلين والجنب والمجيء والإتيان والفوقيّة وغير ذلك، فأجروها على ظاهرها، يعني ما يفهم عند الإطلاق على الأجسام، وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة في قوله: خلق آدم على صورة الرحمان، وقوله: يضع الجبّار قدمه في النّار، وقوله: قلب المؤمنين بين إصبعين من أصابع الرحمان، وقوله: خمّر طينة آدم بيده أربعين صباحاً، وقوله: فوضع يده أو كفّه على كتفي فوجدت برد أنامله في صدري، إلى غير ذلك، أجروها على ما يتعارف في صفات الأجسام»(1).
(1) الملل والنحل 1 : 105 ـ 106 .