توكّل في عقد الزواج وله ثلاث سنين
بل لقد تحمّل الطفل الذي له ثلاث سنين الوكالة في عقد الزواج! وذلك ما أخرجه أحمد في (المسند) في تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باُمّ سلمة اُم المؤمنين، ورواه عنه ابن القيّم في (زاد المعاد) قال:
«قال الإمام أحمد في المسند: حدّثنا عفّان بن حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت قال: حدّثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن اُمّ سلمة: أنّها لمّا انقضت عدّتها من أبي سلمة، بعث إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: مرحباً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّي امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي حاضراً. الحديث، وفيه:
فقالت لابنها عمر: قم، فزوّج رسول الله، فزوّجه»(1).
وأخرجه سائر المحدّثين بطرق اُخرى.
وروى ابن الأثير في (اُسد الغابة) قال:
«أخبرنا يعيش بن صدقة بإسناده عن أحمد بن شعيب: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، نا يزيد، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت البناني، حدّثني ابن عمر ابن أبي سلمة، عن أبيه عن اُمّ سلمة قال: لمّا انقضت عدّتها من أبي سلمة، بعث إليها أبوبكر يخطبها عليه، فلم تزوّجه، فبعث إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر بن الخطّاب يخطبها عليه فقالت: أخبر رسول الله إنّي أمرأة غيرى، وإنّي امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهداً. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال: إرجع إليها فقل لها:
أمّا قولك: إنّي امرأة غيرى، فأدعو الله فيذهب غيرتك.
وأمّا قولك: إنّك امرأة مصبية، فستكفين صبيانك.
وأمّا قولك: ليس أحد من أوليائي شاهداً، فليس أحد من أوليائك ـ شاهد ولا غائب ـ يكره ذلك.
فقال لابنها عمر: قم فزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فزوّجه»(2).
هذا، وقد كان لعمر بن أبي سلمة في ذلك الوقت ثلاث سنين أو سنتان، إذ كان له يوم قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسع سنين بالإتفاق، فإن كان قد وقع الزواج المذكور في شهر شوال من السنة الرابعة من الهجرة فهو ابن ثلاث، وإن كان قد وقع في السنة الثالثة فعمره أقل من سنتين.
وقد التفت ابن القيّم إلى هذه الاُمور عندما قال بعد رواية الحديث:
«وفي هذا نظر، فإنّ عمر هذا كان سنّه لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنين، ذكره ابن سعد، وتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شوّال سنة أربع، فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين، ومثل هذا لا يزوّج.
قال ذلك ابن سعد وغيره».
وكأنّه لذلك اضطرّ أحمد بن حنبل لأنْ ينكر صغر سنّ عمر بن أبي سلمة، قال ابن القيّم:
«ولمّا قيل ذلك للإمام أحمد قال: من يقول إنّ عمر كان صغيراً؟ قال أبوالفرج ابن الجوزي: ولعلّ أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنّه، فقد ذكر مقدار سنّه جماعة من المؤرخين، ابن سعد وغيره».
ومن العلماء من اضطرّ لأنْ يحرّف الحديث، فيجعل الذي زوَّج اُم سلمة من رسول الله عمر بن الخطّاب لا ابنها عمر، لكنّ هذا أيضاً غير مفيد، فقد روى ابن القيّم عن الواقدي:
«إنّ رسول الله خطب اُمّ سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة، فزوّجها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يومئذ غلام صغير»(3).
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 1 : 26/ فصل في أزواجه .
(2) اسد الغابة في معرفة الصحابة 6 : 342 . ترجمة اُمّ سلمة رضي الله عنها .
(3) زاد المعاد في هدي خير العباد 1 : 26 ـ 27 .