تكلّم محمّد مع أبيه عند موته في المصادر السنيّة
وبعد، فلا يتوهمنّ أحد بانحصار خبر تكلّم محمّد بن أبي بكر مع أبيه عند موته، بكتاب سليم بن قيس، فقد وجدنا في (سرّ العالمين) وهو من مؤلفات أبي حامد الغزالي كما اعترف بذلك الذهبي في (ميزانه)(1) أنّه «دخل محمّد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته فقال له: يا بني، ائت بعمّك عمر لاُوصي له بالخلافة، فقال: يا أبت، كنت على حقّ أو باطل؟ فقال: على حق، فقال: وصّ بها لأولادك إن كانت حقّاً، وإلاّ فمكّنها لسواك. ثمّ خرج إلى علي، فجرى ما جرى»(2).
ووجدنا هذا في (تذكرة خواص الاُمّة)(3) لسبط ابن الجوزي ـ وهو من علماء أهل السنّة، وقد اعتمد كبار علمائهم على كتبه، واستندوا إلى أقواله، ووصفوه بالإمامة والحفظ ونحو ذلك من الأوصاف الجليلة… وترجم له غير واحد من المشاهير، كمحمود بن سليمان الكفوي في كتابه المعروف الذي وضعه بتراجم علماء الحنفيّة وأسماه بـ(كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار) إذ قال فيه:
«يوسف بن قزغلي بن عبدالله البغدادي، سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي، صاحب مرآة الزمان في التاريخ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه، كان والده مع موالي الوزير عرف الدين بن هجيرة، ويقال في والده قزغلي بحذف القاف وبالقاف أصح.
ولد في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ببغداد، ونشأ ببغداد وتفقّه وبرع وسمع من جدّه لاُمّه، وكان حنبليّاً فتحنبل في صغره لتربية جدّه، ثمّ رحل إلى الموصل، وسمع بالموصل ثمّ رحل إلى دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بها، وتفقّه على جمال الدين الحصيري، وتحوّل حنفيّاً لمّا أنابه قزغلي ابن عبدالله كان على مذهب الحنفيّة.
وكان إماماً عالماً فقيهاً واعظاً جيّداً نبيهاً، يلتقط الدرر من كلمه، ويتناثر الجوهر من حكمه، ويصلح المذنب عندما يلفظ، ويتوب الفاسق العاصي حين ما يعظ، يصدع القلب بخطابه ويجمع العظام النخرة بجنابه، لو استمع له الصخر لانفلق، والكافر الجحود لآمن وصدّق، وكان طلق الوجه، دائم البشر، حسن المجالسة، مليح المحاورة، يحكي الحكايات الحسنة وينشد الأشعار المليحة، وكان فارساً في البحث، عديم النظير، مفرط الذكاء، إذا سلك طريقاً ينقل فيها أقوالاً ويخرج أوجهاً، وكان من وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته وغزارة علمه وحدّة ذكائه وفطنته، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ.
وكان من محاسن الزمان وتواريخ الأيّام، وله القبول التام عند العلماء والاُمراء والخاص والعام، وله تصانيف معتبرة مشهورة…».
ووجدناه في رواية الحافظ السمهودي بلفظ: «ودخل محمّد بن أبي بكر رضي الله عنه على أبيه في مرض موته فقال: ائت بعمّك عمر لاُوصي له بالخلافة. فقال: يا أبة، كنت على حقّ أم على باطل؟ قال: على حق. قال: فارض لولدك ما رضيت لنفسك».
(1) ميزان الاعتدال 1:500 ترجمة الحسن الصباح . وانظر سير أعلام النبلاء 19 : 328 بترجمة الغزالي .
(2) سرّ العالمين : 11/ باب في ترتيب الخلافة والمملكة .
(3) تذكرة خواص الاُمّة : 62 .