بل هو عقيدة جماعة
وليس هذا قول الحسن وحده، ففي (فتح الباري) ما نصّه:
«باب نفخ الصور، تكرّر ذكره في القرآن، في الأنعام والمؤمنين والنمل والزمر وقاف وغيرها، وهو بضمّ المهملة وسكون الواو، وثبت كذلك في القراآت المشهورة والأحاديث، وذكر عن الحسن البصري إنّه قرأها بفتح الواو جمع صورة، وتأوّله على أنّ المراد النفخ في الأجساد ليعاد إليها الأرواح. وقال أبو عبيدة في المجاز: يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة، كما يقال سور المدينة جمع سورة. قال الشاعر:
لمّا أتى خبر الزبير *** تواضعت سور المدينة
فيستوي معنى القراءتين.
وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد: كالصوف جمع صوفة.
قالوا: والمراد بالنفخ في الصور ـ وهي الأجساد ـ أن تعاد فيها الأرواح، كما قال تعالى: ( ونَفَخْتُ فيه من روحي ).
وتعقّب قوله: جمع، بأنّ هذه أسماء أجناس لا جموع.
وبالغ النحّاس وغيره في الردّ على التأويل المذكور.
وقال الأزهري: إنّه خلاف ما عليه أهل السنّة والجماعة»(1).
وقال الرازي في (تفسيره):
«إعلم: إنّ الله سبحانه لمّا قال ( ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يُبعثون )ذكر أحوال ذلك اليوم فقال: ( فإذا نُفِخ في الصور ) وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ الصور آلة، إذا نفخ فيها يظهر صوت عظيم جعله الله علامة لخراب الدنيا وإعادة الأموات. روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّه قرن ينفخ فيها.
وثانيها: إنّ المراد من الصور مجموع الصور، والمعنى: فإذا نفخ في الصور أرواحها، وهو قول الحسن، وكان يقرأ بفتح الواو، وبالفتح والكسر عن أبي رزين، وهو حجّة لمن فسّر الصّور بجمع صورة.
وثالثها: إنّ النفخ في الصور استعارة، والمراد منه البعث والحشر.
والأولى الأوّل»(2).
وقال ابن الأثير في (النهاية):
«وفيه ذكر النفخ في الصور، هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى المحشر. وقال بعضهم: إنّ الصور جمع صورة، يريد صور الموتى ينفخ فيه الأرواح، والصحيح الأوّل، لأنّ الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور وتارة بالقرن»(3).
وقال محمد طاهر في (مجمع البحار):
«ونفخ في الصور، هو قرن ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى المحشر، وقيل: هو جمع صورة يريد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح، والصحيح الأوّل لتظاهر الأحاديث فيه»(4).
وفي (الصحاح):
«الصور القرن. قال الراجز:
لقد نطحناهم غداة الجمعين *** نطحاً شديداً لا كنطح الصورين
ومنه قوله تعالى: ( يوم ينفخ في الصور ) قال الكلبي: لا أدري ما الصور، ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر، أي ينفخ في صور الموتى الأرواح، وقرأ الحسن يوم ينفخ في الصور، والصور ـ بكسر الصاد ـ لغة في الصور جمع صورة…»(5).
وفي (تفسير البغوي):
«والصور قرن ينفخ فيه. قال مجاهد كهيئة البوق، وقيل: هو بلغة أهل اليمن. وقال أبو عبيدة: الصور هو الصور جمع الصورة، وهو قول الحسن.
والأول أصحّ»(6).
(1) فتح الباري في شرح البخاري 11 : 308 باب نفخ الصور .
(2) تفسير الرازي 23 : 121 .
(3) النهاية في غريب الحديث والأثر « صور » .
(4) مجمع البحار «صور» .
(5) صحاح اللغة 2 : 716 .
(6) تفسير البغوي 2 : 377 .