بل هو عقيدة البخاري !!
لقد ثبت أنّ أصحابنا لا يقولون بهذه المقالة الفاسدة، بل القائلون بها هم من أهل السنّة، كالحسن البصري، وأبي عبيدة، وصاحب سراج العقول، وغيرهم من الأئمّة…
ولو أنّ الخصم أجاب بأنّ الحسن البصري قدري، وقد كفّره العلماء المحقّقون، ومن حكم عليه بالكفر فلا يستبعد صدور مثل هذه الأباطيل منه، وأمّا أبو عبيدة العالم اللغوي النحوي فلا عبرة بقوله، وكذا من تبعه واستحسن مقالته…
قلنا له: فما تقول في إمامك البخاري، وقد ذهب إلى هذا المذهب في كتابه (الصحيح) عند جمهوركم:
لقد قال البخاري بتفسير سورة الأنعام من كتابه، في الآية ( يوم ينفخ في الصور ): «الصور جماعة صورة، كقوله سورة وسور»(1).
وقال القسطلاني بشرحه:
«الصور ـ بضم الصاد وفتح الواو ـ في قوله تعالى: ( يوم ينفخ في الصور )جماعة صورة. أي: يوم ينفخ فيها روحها فتحيى، كقوله: سورة وسور، بالسين المهملة فيهما.
قال ابن كثير: والصحيح أنّ المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، للأحاديث الواردة فيه»(2).
وقال القاضي عياض:
«قوله في التفسير: الصور جمع صورة، كقولك: صورة وصور، كذا لأبي ذر. أي جمع على صور وصور بسكون الواو وفتحها، وهو خير من رواية غيره، كقولك سورة وسور، بالسين، إذ ليس مقصود الباب ذلك. وهذا أحد تفاسير الآية»(3).
وقال ابن حجر العسقلاني:
«قوله: الصور جماعة صورة كقوله سورة وسور، بالصاد أوّلاً وبالسين ثانياً، كذا للجميع، إلاّ في رواية أبي أحمد الجرجاني ففيها: كقولك صورة وصور، بالصاد في الموضعين، والاختلاف في سكون الواو وفتحها. قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ( ويوم ينفخ في الصور ) يقال: إنّها جمع صورة، ينفخ فيها روحها فتحيى، بمنزلة قولهم: سورة المدينة، واحدها سورة. قال النابغة:
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة *** ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
والثابت في الحديث أنّ الصور قرن ينفخ فيه، وهو واحد لا إسم جمع»(4).
أقول :
لقد بان في غاية الوضوح والظهور، طهارة أذيال أعلامنا الصدور عن التلوّث بوضح المصير إلى إنكار الصور، وأنّ عزو هذا الإنكار إليهم كذب وزور. لكنّ أئمّة القوم هم الذين حرّفوا كلام الله وأحايث الرسول، كالحسن البصري وأبي عبيدة النحوي اللغوي وصاحب سراج العقول، وغيرهم من أعلامهم الفحول… وأعجب من ذلك كلّه: أنّ البخاري الذي هو عندهم ابن بجدة النقد والبراعة، وحامل لواء أهل السنّة والجماعة، قد تفوّه بهذا التفسير المهجور، فاستحقّ كلّ أنواع التشنيع والتحقير…
(1) صحيح البخاري 6 : 70 .
(2) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 7 : 116 .
(3) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2:65 .
(4) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 : 232 .