المكتبة الناصريّة
ومن آثار هذه الاُسرة وخدماتهم للعلم والطائفة: المكتبة العظيمة التي خلّفتها في مدينة لكهنو، هذه المكتبة التي كانت كتب العلاّمة السيّد محمّدقلي نواةً لها، ثمّ ضمّ إليها نجله السيّد حامد حسين كلّ ما حصل عنده من الكتب، ولاسيّما ما كان يفحص عنه وحصل عليه في البلاد المختلفة من اُمّهات المصادر في مختلف العلوم والفنون لأجل كتابه (عبقات الأنوار)، ثمّ سعى نجله السيّد ناصر حسين في تطويرها وتوسعتها فاشتهرت بالمكتبة الناصريّة.
لقد كانت في زمن السيّد حامد حسين تحتوي على ثلاثين ألف كتاب.
قال شيخنا الطهراني بترجمته: «وللمترجم خزانة كتب جليلة وحيدة في لكهنو بل في بلاد الهند، وهي إحدى مفاخر العالم الشيعي، جمعت ثلاثين ألف كتاب بين مخطوط ومطبوع، من نفائس الكتب وجلائل الآثار، ولاسيّما تصانيف أهل السنّة من المتقدّمين والمتأخّرين.
حدّثني شيخنا العلاّمة الميرزا حسين النوري أنّ المترجم كتب إليه من لكهنو يطلب منه إرسال أحد الكتب إليه، فأجابه الاُستاذ: بأنّه من العجيب خلوّ مكتبتكم من هذا الكتاب على عظمها واحتوائها، فأجابه المترجم: بأنّ من المتيقّن لديَّ وجود عدّة نسخ من هذا الكتاب، ولكن التفتيش عنه والحصول عليه أمر يحتاج إلى متّسع من الوقت، والكتاب الذي ترسله إليّ يصلني قبل وقوفي على الكتاب الذي هو في مكتبتي التي أسكنها، إنتهى.
فمن هذا يظهر عظم المكتبة واتّساعها.
وحدّثني بعض فضلاء الهند أنّ أحد أهل الفضل حاول تأليف فهرس لها وفشل في ذلك.
وقد أهدى إليّ بعض أجلاّء الأصدقاء صورة جانب واحد من جوانبها الأربع وهو كتب التفاسير، وقد زرناه فأدهشنا.
وبالجملة، فإنّ مكتبة هذا الإمام الكبير من أهمّ خزائن الكتب في الشرق»(1).
وقال السيّد محسن الأمين: «ومكتبته في لكهنو وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب، ولاسيّما كتب غير الشيعة. ويناهز عدد كتبها الثلاثين ألفاً، مابين مطبوع ومخطوط… فيما كتبه الشيخ محمّد رضا الشبيبي في مجلّة العرفان ما صورته: من أهمّ خزائن الكتب الشرقيّة في عصرنا هذا، خزانة كتب المرحوم السيّد حامد حسين اللكهنوي ـ نسبة إلى لكهنو من بلاد الهند ـ صاحب كتاب (عبقات الأنوار) الكبير في الإمامة، من ذوي العناية بالكتاب والتوفّر على جمع الآثار، أنفق الأموال الطائلة على نسخها ووراقتها، وفي كتابه (عبقات الأنوار) المطبوع في الهند ما يشهد على ذلك.
وقد اشتملت خزانة كتبه على اُلوف من المجلّدات، فيها كثير من نفائس المخطوطات القديمة»(2).
وفي (أحسن الوديعة) بترجمته: «وله مكتبة كبيرة في لكهنو وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب، ولاسيّما كتب المخالفين».
وجاء في (صحيفة المكتبة) الصادرة عن مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف، في ذكر المكتبات التي زارها العلاّمة الحجّة المجاهد صاحب الغدير في مدينة لكهنو بالهند ما نصّه: «مكتبة الناصريّة العامّة، تزدهر هذه المكتبة العامرة بين الأوساط العلميّة وحواضر الثقافة في العالم الإسلامي بنفائسها الجمّة، ونوادرها الثمينة، وما تحوي خزانتها من الكتب الكثيرة في العلوم العالية من; الفقه واُصوله، والتفسير، والحديث والكلام، والحكمة والفلسفة، والأخلاق، والتاريخ، واللغة، والأدب، إلى معاجم ومجاميع وموسوعات في الجغرافيا، والتراجم، والرجال، والدراية، والرواية.
وهي نتيجة فكرة ثلاثة من أبطال العلم والدين، جمعت يمين كلّ منهم قسماً من هذه الثروة الإسلاميّة الطائلة في حياته السعيدة، فأسدى بها إلى اُمّة القرآن الكريم خدمة كبيرة، تذكر وتشكر مع الأبد، ولم يكتف أولئك الفطاحل بذلك إلى أن وقف كلّ منهم ماله عليه وقفاً، فغدت يقضي بها كلّ عالم مأربه، ويسدّ بها كلّ ثقافي حاجته.
وكانت النواة لها مكتبة السيّد محمّد قلي الموسوي… ثمّ حذا حذوه وضمّ كتبه إليها نجله القدوة والاُسوة السيّد حامد حسين… ثمّ شفعت تلك المكتبة بمكتبة شبله السيّد ناصر حسين.
وهذه المكتبة العامرة تسمّى باسمه، يناهز عدد كتبها اليوم ثلاثين ألفاً من المطبوع والمخطوط، يقوم بإدارة شؤونها شقيقا الفضيلة: السيّد محمّد سعيد العبقاتي، والزعيم المحنّك السيّد محمّد نصير العبقاتي، وقد شيّدت لها حين كنّا في تلكم الديار بهمّتهما القعساء بناية فخمة تقع في أهدء مكان، قد خصّصت لها الإدارة المحلّيّة لمتصرّفية لكهنو والإدارة المركزيّة للشؤون الثقافيّة للحكومة الهنديّة، منحة ماليّة سنويّة لإدارة شؤونها، وتسديد رواتب موظّفيها، وهي وإن كانت جلّ ذلك فضلاً عن الكلّ، إلاّ أنّها مساعدة تحمد عليها وتقدّر».
ثمّ ذكر الكاتب أسماء نفائس من هذه الخزانة ممّا وقف عليه العلاّمة الأميني وغيره.
وقال صاحب (نزهة الخواطر) بترجمته: «وسافر في سنة 1282 للحج والزيارة، واقتبس من الكتب النادرة في الحرمين، ورجع إلى الهند وانصرف إلى المطالعة والتأليف واقتناص الكتب النادرة، وكثير منها بخطّ مؤلّفيها، من كلّ مكان، وبكلّ طريق، وأنفق عليها الأموال الطائلة…».
(1) أعلام الشيعة ، نقباء البشر 1/348 .
(2) أعيان الشيعة 4/381 ، بترجمة السيّد حامد حسين .