الصّلاة على غير النبي من بدع الشيعة؟
بل ذكر بعضهم أنّ هذا، أي الصّلاة على غير الأنبياء، من بدع الشيعة، فتجب مخالفتهم، قال القاضي عياض:
«والذي ذهب إليه المحقّقون ـ وأميل إليه ـ ما قاله مالك وسفيان ـ رحمهما الله ـ وروي عن ابن عبّاس، واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلّمين: إنّه لا يصلّى على غير الأنبياء عند ذكرهم، بل هو شيء يختصّ به الأنبياء توقيراً لهم وتعزيزاً، كما يخصّ الله عند ذكره بالتنزيه والتقديس والتعظيم، ولا يشاركه فيه غيره، وكذلك يجب تخصيص النبي صلّى الله عليه وسلّم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم، ولا يشارك فيه سواهم، كما أمر الله به بقوله تعالى: ( صلّوا عليه وسلّموا تسليماً )، ويذكر من سواهم من الأئمّة وغيرهم بالغفران والرضا كما قال تعالى: ( يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )وقال: ( والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ).
وأيضاً: فهو أمر لم يكن معروفاً في الصدر الأوّل، كما قال أبو عمران، وإنّما أحدثته الرافضة والمتشيّعة في بعض الأئمّة، فشاركوهم عند الذكر لهم بالصّلاة، وساووهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك.
وأيضاً، فإنّ التشبّه بأهل البدع منهيّ عنه، فتجب مخالفتهم فيما التزموه»(1).
أقول :
الأحاديث المتفق عليها في أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالصّلاة على أهل بيته مع الصّلاة عليه، ونهيه عن الصّلاة البتراء… كثيرة…(2)، بل مقتضى قوله تعالى: ( وَصَلِّ عليهم إنّ صلاتك سَكَنٌ لهم ) هو جواز الصلاة ـ بمعنى طلب الرحمة ـ لسائر المسلمين المستحقّين لذلك، والذين هم أهل للدعاء لهم…
لكنّ من نفس هذه الكلمات يظهر أنْ ليس هذا المنع منهم إلاّ تعصّباً وعناداً لأهل البيت وشيعتهم… وإلاّ، فأيّ معنى للصّلاة على الجارية المليحة وعلى كلّ مليح كما عن إمامهم يحيى بن معين!!
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 : 191 ـ 192 .
(2) أخرجها البخاري ومسلم وسائر أرباب السنن والمسانيد والمفسّرون بتفسير الآية ( إنّ الله وملائتكه يصلّون على النبي … ) ولعلّ أجمعها (الدر المنثور 5 : 215 ـ 219) وفي (الصواعق) بذيل الآية : ويروى : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد ، وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد .