الشيخ عبدالوهاب الشعراني
قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار):
«ومنهم: الشيخ الصالح العابد الزاهد، ذوالكشف الصحيح والحال العظيم، الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطِل على بركة الرطلي، كان رضي الله عنه عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة، ودخلت عليه مرّة أنا وسيّدي أبوالعبّاس الحرشي، فقال:
اُحدّثكم بحديث تعرفون به أمري من حيث كنت شابّاً إلى وقتي هذا؟
فقلنا: نعم.
فقال: كنت شابّاً أمرد، أنسج العباء في الشام، وكنت مسرفاً على نفسي، فدخلت جامع بني اُميّة فوجدت شخصاً على الكرسي يتكلّم في أمر المهدي وخروجه، فتشرّب حبّه قلبي وصرت أدعو في سجودي بأنّ الله يجمعني عليه، فمكثت نحو سنة وأنا أدعو، فبينما أنا بعد المغرب في الجامع إذ دخل عليّ شخص عليه عمامة كعمائم العجم، وجبّة من وبر الجمال، فجسّ بيده على كتفي وقال:
مالك بالإجتماع بي؟
فقلت له: من أنت؟
فقال: أنا المهدي. فقبّلت يده وقلت: إمض بنا إلى البيت.
فأجاب وقال: أخْلِ لي مكاناً لا يدخل عليّ فيه أحد غيرك، فأخليت له.
فمكث عندي سبعة أيّام ولقّنني الذكر، وأمرني بصوم يوم وإفطار يوم، وبصلاة خمسمائة ركعة في كلّ ليلة، وأن لا أضع جنبي على الأرض للنوم إلاّ غلبة.
ثمّ طلب الخروج وقال لي: يا حسن! لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك منّي، فما ثَمّ إلاّ دون ما وصل إليك منّي فلا تتحمّل من أحد بلا فائدة.
فقلت: سمعاً وطاعة.
وخرجت اُودّعه، فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال: من هنا.
فأقمت على ذلك سنين عديدة ـ إلى أن قال الشعراني بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي ـ :
وسألت المهدي عن عمره؟
فقال: يا ولدي! عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة، ولي عنه الآن مائة سنة.
فقلت ذلك لسيّدي علي الخواصّ فوافقه على عمر المهدي رضي الله عنهما»(1).
وقال في كتابه (اليواقيت والجواهر):
«المبحث الخامس والستّون: في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبر بها الشارع صلّى الله عليه وسلّم حقّ لابدّ أن يقع كلّها قبل قيام الساعة، وذلك كخروج المهدي ثمّ الدجّال ثمّ نزول عيسى وخروج الدابّة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سدّ يأجوج ومأجوج، حتّى لو لم يبق من الدنيا إلاّ مقدار يوم واحد لوقع ذلك كلّه.
قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته: وكلّ هذه الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اُمّته بقوله: إن صلحت اُمّتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم، يعني من أيّام الرب المشار إليها بقوله: ( وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون ).
وقال بعض العارفين: وأوّل الألف محسوب من وفاة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء، فإنّ تلك المدّة كانت من جملة أيّام نبوّة رسول الله ورسالته، فمهّد الله تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد، ومراده صلّى الله عليه وسلّم إنْ شاء الله بالألف قوّة سلطان شريعته إلى انتهاء الألف، ثمّ تأخذ في الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مُضِىّ ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يُتَرَقَّب خروج المهدي، وهو من أولاد الإمام حسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون إلى وقتنا هذا ـ وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ـ سبعمائة سنة وست سنين; هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المُطِلِّ على برْكة الرطلي بمصر المحروسة، عن الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك شيخنا سيّدي علي الخَوّاص رحمهما الله.
وعبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات هكذا: واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي رضي الله عنه، لكن لا يخرج حتّى تمتلىء الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي هذا الخليفة.
وهو من عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ولد فاطمة رضي الله عنها، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي بالنون ابن محمّد التقي بالتاء ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين عليّ بن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب.
يواطىء اسمه اسم رسول الله.
يبايعه المسلمون مابين الركن والمقام.
يشبه رسول الله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ .
وينزل عنه في الخلق ـ بضمّها ـ إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أخلاقه والله تعالى يقول: ( إنّك لعلى خُلُق عظيم ).
هو أجلى الجبهة، أقنى الأنف.
أسعد الناس به أهل الكوفة.
يقسم المال بالسويّة، ويعدل في الرعيّة، يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، وبين يديه المال، فيحثي له ما استطاع أن يحمله.
يخرج على فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن.
يمسي الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح عالماً شجاعاً كريماً.
يمشي النصر بين يديه.
يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً.
يقفو أثر رسول الله ولا يخطي، له ملك يُسدّده من حيث لا يراه، يحمل الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحقّ، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، ويعلم ما يشهد، يصلحه الله في ليلة، يفتح المدينة الروميّة بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكاء، يبيد الظلم وأهله، ويقيم الدين، وينفخ الروح في الإسلام، يُعِزّ الله به الإسلام بعد ذلّه، ويحييه بعد موته، يضع الجزية، ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قتل ومن نازعه خُذِل، يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتّى لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّاً لحكم به.
فلا يبقى في زمانه إلاّ الدّين الخالص عن الرأي، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك، لظنّهم أنّ الله تعالى لا يحدث بعد أئمّتهم مجتهداً.
وأطال في ذلك وفي ذكر وقائعه معهم، ثمّ قال:
واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح جميع المسلمين خاصّتهم وعامّتهم، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه، وهم الوزراء له، يتحمّلون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلّد الله له.
ينزل عليه عيسى بن مريم عليه السلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متّكياً على ملكين: ملك عن يمينه وملك عن شماله والنّاس في صلاة العصر، فيتنحّى له الإمام من مكانه فيتقدّم ويصلّي بالنّاس يوم البأس بسنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يكسر الصليب ويقتل الخنزير.
ويقبض المهديّ طاهراً مطهّراً.
وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغُوطة دمشق، ويخسف بجيشه في البيداء، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يحشر على نيّته، وقد جاءكم زمانه وأظلّكم أوانه.
وقد ظهر في القرن الرابع اللاّحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو قرن الصحابة، ثمّ الذي يليه، ثمّ الذي يلي الثاني، ثمّ جاء بينها فترات وحدثت اُمور، وانتشرت أهواء، وسفكت دماء، فاختفى إلى أن يجيء الوقت المعلوم، فشهداؤه خير الشهداء، واُمناءه أفضل الاُمناء.
قال الشيخ محي الدين: وقد استوزر الله تعالى له طائفة خبأهم الحقّ له في مكنون غيبه، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق وما هو أمر الله عليه في عباده وهم على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ليس فيهم عربيّ لكن لا يتكلّمون إلاّ بالعربيّة، لهم حافظ من غير جنسهم، ما عصى الله قطّ هو أخصّ الوزراء وأعلم»(2).
ثمّ قال الشعراني بعد كلام له:
«فإن قلت: فما صورة ما يحكم به المهدي إذا خرج؟ هل يحكم بالنصوص أو بالإجتهاد أو بهما؟
فالجواب كما قاله الشيخ محي الدين: إنّه يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أن يلهمه الله الشرع المحمّديّ فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي: إنّه يقفو أثري. فعرّفنا صلّى الله عليه وسلّم أنّه متّبع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حكمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلاّ أنّه لا يخطئ، وحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يخطئ، فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، وقد أخبر عن المهدي أنّه لا يخطئ وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم.
قال الشيخ: فعلم أنّه يحرم على المهدي القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إيّاها على لسان ملك الإلهام.
بل حرّم بعض المحقّقين على جميع أهل الله القياس، لكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشهوداً لهم، فإذا شكّوا في صحّة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحقّ يقظة ومشافهة، وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمّة غير رسول الله، قال الله تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني ) وأطال في ذلك»(3).
أقول :
وفي النصوص المتقدّمة إقرار جماعة من الأعلام بوجود المهدي عليه السلام، ولربّما يوجد فيها ما لا تساعد عليه الأدلّة.
(1) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار 2 : 139 ترجمة الشيخ حسن العراقي .
(2) اليواقيت والجواهر 2 : 422 ـ 423 .
(3) اليواقيت والجواهر 2 : 424 ـ 425 .