الشيخ المودودي
وتبعهم الشيخ علي أكبر بن أسد الله المودودي وهو من علمائهم المتأخرين، فإنّه قال في (المكاشفاتِ ـ حاشية النفحات) بترجمة علي بن سهل بن الأزهر الإصفهاني:
«ولقد قالوا: إنّ عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء آكد الخصوصيّة، والشيخ رضي الله عنه يخالفهم في ذلك، لحديث ورد في شأن الإمام المهدي الموعود على جدّه وعليه الصلاة والسلام كما ذكر ذلك صاحب اليواقيت عنه حيث قال: صرّح الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات بأنّ الإمام المهدي يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أنّه يلهمه الشرع المحمّدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي. إنّه يقفو اثري لا يخطي، فعرّفنا صلّى الله عليه وسلّم أنّه متّبع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حكمه، إذ لا معنى للمعصوم في أمر إلاّ أنّه لا يخطي، وحكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يخطي فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، وقد أخبر عن المهدي أنّه لا يخطي وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم، وأطال صاحب اليواقيت في ذلك نقلاً عن الشيخ رضي الله عنه وعن غيره من العلماء والفضلاء من أهل السنّة والجماعة.
وقال رحمة الله عليه في المبحث الحادي والثلاثين، في بيان عصمة الأنبياء من كلّ حركة وسكون وقول وفعل ينقص مقامهم الأكمل، وذلك لدوام عكوفهم في حضرة الله تعالى الخاصّة; فتارة يشهدونه سبحانه وتارة يشهدون أنّه يراهم ولا يرونه، ولا يخرجون أبداً عن شهود هذين الأمرين، ومن كان مقامه كذلك لا يتصوّر في حقّه مخالفة قطّ صوريّة كما سيأتي بيانه، وتسمّى هذه حضرة الإحسان، ومنها عصم الأنبياء وحفظ الأولياء; فالأولياء يخرجون ويدخلون، والأنبياء مقيمون، ومن أقام فيها من الأولياء كسهل بن عبدالله التستري وسيّدي إبراهيم المتبولي، فإنّما ذلك بحكم الإرث والتبعية للأنبياء، استمداداً من مقامهم لا بحكم الاستقلال. فافهم.
ثمّ قال في المبحث الخامس والأربعين: قد ذكر الشيخ أبوالحسن الشاذلي رضي الله عنه: إنّ للقطب خمسة عشر علامة: أن يمدّد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش، ويكشف له عن حقيقة الذات، وإحاطة الصفات إلى آخره; فبهذا صحّ مذهب من ذهب إلى كون غير النبي معصوماً، ومن قيّد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فإنّ الحكم بكون المهدي الموعود رضي الله عنه موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام، كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الإمام عليّ بن أبي طالب كرّمنا الله بوجوههم، يشير إلى صحّة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبيّة في وجود جدّه عليّ بن أبي طالب إلى أن تتمّ فيه لا قبل ذلك، فكلّ قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته عن أعين العوام والخواصّ لا عن أعين أخصّ الخواص، وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي الله عنه وعنهم، فلابدّ أن يكون لكلّ إمام من الأئمّة الإثنى عشر عصمة; خذ هذه الفائدة.
قال الشيخ عبدالوهاب الشعراوي في المبحث الخامس والستين: قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته، بعد ذكر تعيين السنين للقيامة: فهناك يترقّب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليهما السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا ـ وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة ـ سبعمائة سنة وست سنين; هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيّدي علي الخواص رحمه الله تعالى.
وعبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والسبعين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي عليه السلام، ثمّ قال: وهو من عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من ولد فاطمة رضي الله عنها، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ووالده الحسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي بالنون ابن الإمام محمّد التقي بالتاء ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين، يواطىء اسمه اسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثمّ عَدَّ رضي الله عنه نبذة من شيم المهدي وأخلاقه النبويّة التي تكون فيه على جدّه وعليه الصلاة والسلام، ونحن نذكرها في أحوال العارف الجندي قدّس سرّه إن شاء الله تعالى»(1).
(1) المكاشفات في الحاشية على نفحات الانس ـ ترجمة علي بن سهل الإصبهاني .