التحقيق فيما نسب إلى السيّد المرتضى
حاصل هذا الكلام دعوى موافقة السيّد المرتضى العامّةَ في إنكار أخذ الميثاق على ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام من الأنبياء والملائكة، وهل هذا إلاّ محض البهتان وصريح الإفك وواضح الهذيان؟
وتوضيح ذلك:
أوّلاً : إنّ السيّد المرتضى لم يذكر في كتابه (الدرر والغرر) خبر الميثاق أصلاً، فضلاً عن أن يكذّب أو يصدّق به، نعم، قد ذكر السيّد قوله تعالى ( وإذ أخذ ربّك من بني آدم … ) وأنكر أن يكون المراد منها أنّ الله تعالى أخذ من جميع ذريّة آدم الذين في ظهره الميثاق على الإقرار بمعرفته تعالى، وأنّه أشهدهم على ذلك، وإنّما ذكر للآية تأويلاً آخر، وأيّ ربط لذلك بتكذيب أخبار الميثاق؟!
وثانياً : إنّه على فرض أنّ السيّد ينكر وقوع أخذ الميثاق في عالم الأرواح، فأين الدليل من كلامه على إنكار أخذ الميثاق على الإطلاق كما يدّعيه الدهلوي؟ وكيف يثبت بذلك تضعيف خبر الصفّار وخبر ابن بابويه الدالّين على مطلق أخذ ميثاق ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام؟
فظهر أنّ نسبة تكذيب أخبار الميثاق على الإطلاق إلى السيّد المرتضى كذب بحت وبهتان صريح، وهذا كتاب (الغرر والدرر) موجود بين أيدي الناس، ونسخه شائعة في البلاد…
وبعد، فإنّ العلماء قد اختلفوا في معنى الآية المباركة على قولين، فذهب الأكثر إلى الأخذ بظاهرها وقالوا: بأنّ ذريّة آدم كانوا في عالم الأرواح ذوي عقول ـ كما هم في هذا العالم ـ وقد أخذ منهم الميثاق، وقال جماعة ـ منهم السيّد المرتضى ـ بتأويل الآية على معنىً آخر، وهذا نصُّ عبارة السيّد في الكتاب المذكور:
«إنّه تعالى لمّا خلقهم وركّبهم تركيباً يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته، وأراهم العبر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم، كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم، وكانوا ـ في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله تعالى وتعذر امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته ـ بمنزلة المقرّ المعترف وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى: ( ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهما جواب، ومثله قوله تعالى: ( شاهدين على أنفسهم بالكفر )ونحن نعلم أنّ الكفّار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم، وإنّما لما يظهر منهم ظهوراً لا يتمكّنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به…»(1).
فدلَّ هذا الكلام منه على أنّه غير منكر لأصل الميثاق، وإنّما له كلامٌ في كيفيّته، وله رأي في تأويل الآية.
(1) الغرر والدرر = أمالي السيّد المرتضى 1 : 30 .