أبوالقاسم ابن مندة
وابن مندة أيضاً من القائلين بثبوت الجهة للباري عزّوجل، فقد قال اليافعي في (مرآة الجنان):
«الحافظ أبوالقاسم عبدالرحمن بن مندة الأصبهاني صاحب التصانيف، كان ذا هيبة ووقار، وله أصحاب وأتباع. قال الذهبي: وفيه تسنّن مفرط، أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده وتوهّموا فيه التجسيم، قال: وهو بريء منه فيما علمت، ولكن لو قصّر من شأنه لكان أولى به.
قلت: وكلام الذهبي هذا يحتاج إلى إيضاح، فقوله: فيه تسنّن مفرط، أي يبالغ في الأخذ بظواهر السنّة والاستدلال بها وجحد حملها فيه التجسيم، لأنّ الجري على اعتقاد الظواهر ومنع التأويل فيها يدلّ على ذلك، والكلام فيه يطول، وقد أوضحت ذلك في الاُصول. وقوله: لو قصّر من شأنه لكان أولى به، أي لوترك المبالغة في التظاهر بذلك والاستشهار به لكان أولى. وأمّا قوله: وهو بريء منه، فشهادة على أمر باطل والله أعلم بحقيقته، وغاية ما ثمَّ أنّه ما يصرّح بالتجسيم بلسانه لكنّه يقول بالجهة، وأسلم ما في ذلك أنّه يلزم منه القول بالتجسيم، وفي ملزوم المذهب خلاف مشهور عند العلماء، هل هو مذهب أم لا؟ هذا إذا اقتصر على اعتقاد الجهة، فأمّا إذا اعتقد الحركة والنزول والجارحة فصريح في التجسيم»(1).
ولا تتوهَّمن أن هذه المقالات الفاسدة إنما قال بها المتأخّرون من تلقاء أنفسهم، فإنّهم قد تبعوا فيها أسلافهم…
(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3 : 76 ـ 77 ترجمة الحافظ أبي القاسم عبدالرحمن بن مندة .