هل يمكن أخذ القطع بمرتبة من الحكم
ثم قال صاحب الكفاية :
نعم ، يصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة اخرى منه أو مثله أو ضدّه(1) .
أقول :
ومثال ذلك :
إذا علمت بوجوب الصّلاة إنشاءً ، وجبت عليك فعلاً بنفس ذاك الوجوب أو مثله أو حرمت عليك فعلاً .
أقول :
وهذا مبنيٌّ على ما ذهب إليه ، من أنّ للحكم أربع مراتب :
مرتبة الاقتضاء ، وهي مرتبة الملاكات .
ثمّ مرتبة إنشاء الحكم .
ثم مرتبة الفعلية ، وهي مرتبة تحقّق القيود والشرائط .
ثم مرتبة التنجّز والوصول وترتب الأثر من الثواب والعقاب .
وفي المقابل هو القول بأن للحكم مرتبتين فقط هما : مرتبة الإنشاء ومرتبة الفعليّة ، وقد يستفاد هذا الرأي من كلمات الشيخ .
وهذا القول هو الصحيح .
فإنّ الخطابات الشرعيّة كلّها بنحو القضايا الحقيقيّة ، فمعنى قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً )(2) هو : كلّما تحقّق المكلّف واتصف بالاستطاعة فعليه الحج ، فهذا إنشاءٌ للحكم ، سواء كان في العالم شخصٌ أوْلا . فإن تحقّق وجوده خارجاً واتصف بالاستطاعة ، حصلت الفعليّة للحكم .
أمّا مرحلة الملاكات ، فلا علاقة لها بالحكم ، بل لولا الملاك من المصلحة والمفسدة لما تحققت الحاكميّة والحكم من الحاكم ، فإنّه لمّا يلحظ الملاك يجعل الحكم وينشؤه .
وكذلك مرحلة التنجز ، فإنها لا علاقة لها بالحكم ، لأنّ الحكم إذا تحقّق يأتي البحث عن أثره ، إذ المكلّف إن كان مطيعاً للحكم استحق الثواب ، وإن كان عاصياً له استحق العقاب .
ومن هنا قال المحقق الإصفهاني : بأن الإنشاء بداعي جعل الداعي مصداق حقيقي للحكم ، لأنّ الإنشاء قد يكون بداعي الامتحان ـ مثلاً ـ فهذا ليس بحكم ، أمّا الحكم ما كان بداعي جعل الداعي في نفس المكلّف إلى الإمتثال .
(1) كفاية الاصول : 267 .
(2) سورة آل عمران : 97 .