مناقشته
وفيه : إن الأصل في الخطابات الشرعيّة هو المولويّة ، ولا يخرج عن هذا الأصل إلاّ بدليل ، والحمل على الإرشادية إنما يكون حيث لا يصحّ عمل الخطاب على التعبّة كما إذا كان الدليل الصادر وارداً مورد الإطاعة والمعصية كقوله تعالى : ( أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ )(1) ، فإن هذه الآية في طول الأحكام الشرعية المتقدّم عليها ، ولا يمكن حملها على المولويّة ، للزوم التسلسل ، فلابدّ من حملها على الإرشادية . أمّا مع إمكان إبقائها على المولويّة فلا تحمل على الإرشادية .
وما نحن فيه ممّا يمكن حمله على المولويّة ، فلا وجه لحمله على الإرشادية ، ولذا لا يحمل ما ورد في النهي عن الظلم على الإرشادية مع أنّ العقل حاكم بذلك أيضاً ، فكذلك نهيه عن اتّباع الظنّ لا يكفي لحمل ما ورد في الشريعة في الباب على الإرشاديّة ، لإمكان حمله على المولوية وجواز التعبّد به .
وقوله رحمه اللّه : بأنْ قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) آب عن التخصيص .
فيه : إن صِرف عدم القابليّة للتخصيص لا يوجب الحمل على الإرشادية ، بدليل أن حرمة الظلم لا تقبل التخصيص ، ومع ذلك لا تحمل الأدلة الناهية عنه على الإرشادية ، وكذا الأدلة في حرمة الإعانة على الإثم على القول بذلك ، وكذا قوله تعالى : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) . فعدم القابلية للتخصيص لازم أعم .
فالتحقيق حمل قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) على المولوية ـ وإن كان لا يقبل التخصيص قطعاً ـ لأنّ دليل اعتبار الظن في مورد ، يلغي احتمال الخلاف ، وعليه السيرة العقلائية ، فيكون حاكماً على الآية ، والحكومة هي التخصيص لبّاً غير أنها إخراج بلسان نفي الموضوع ، وفي التخصيص إخراج مع حفظه ، ومتى شكّ في الإخراج الزائد ـ سواء بلسان الحكومة أو التخصيص ـ كان عموم الآية هو المرجع .
(1) سورة النساء : 59 .