مناقشته
ويمكن المناقشة في هذا الكلام إثباتاً وثبوتاً :
أمّا إثباتاً ، فقد ذكر : أن الشكّ قد يكون قيداً ، وقد يكون علّةً ، وقد جعله هنا علّة .
وفيه : إن كونه علّةً يحتاج إلى كاشف ككونه قيداً ، ولم يؤخذ في لسان الأدلّة الشرعية للأحكام الظاهرية علّةً ، لا في حديث الرفع(1) ، ولا في : « كلّ شيء مطلق »(2) « الناس في سعة ما لم يعلموا »(3) و« ما حجب اللّه علمه على العباد ، … »(4) إذ أنّ اللّسان في جميع هذه الأدلّة لسان القيد لا العلّة . هذا في الاصول العملية .
وأمّا في الطّرق ، فإن الشك موردٌ لها ، وفي جملة من أدلّتها لم يؤخذ الشك أصلاً . نعم ، قد ورد في الأدلّة : « إذا شككت فابن على اليقين »(5) ، وقد وقع الكلام في المراد من ذلك ، هل هو الاحتياط أو الاستصحاب .
وأمّا في أدلّة الاستصحاب ، فلم يؤخذ الشك في رواية تامّة سنداً .
وعلى الجملة ، فلا ظهور لشيء من الأدلّة في عليّة الشك ، لأنه لو كان مأخوذاً في دليل فهو مجملٌ .
وأمّا ثبوتاً : فإنّ النسبة بين كلّ عنوانين لا تخلو عن احدى النسب الأربع ، وليس بين موضوعي الحكمين نسبة التساوي ، فهي إمّا العموم من وجه أو المطلق أو التباين .
فإن كانت النسبة هي التباين ، ولا مجمع بينهما كما هو ظاهر كلام المحقق العراقي ، فهذا يستلزم التصويب ، أي : عدم وجود الحكم الواقعي في مورد الحكم الظاهري .
فحلّ المشكل في عالم الثبوت ، يتوقف على التباين ، وهو يستلزم التصويب .
أمّا مع كون النسبة هي العموم من وجه أو المطلق ، فلا يلزم التصويب ، لكنّ المشكلة لا تنحلّ .
هذا أوّلاً .
وثانياً : إنه على فرض تماميّة ما ذكره من تعدّد الموضوعين من جهة اختلاف المرتبة ، فإنّ الغرض المترتّب على الموضوع الحامل له لا تعدّد فيه ، ومع حفظ الموضوع في مورد الحكم الظاهري ، يتحقق الإرادة والكراهة ، فيجتمعان على أثر اجتماع الموضوعين الحاملين للغرض ، فيعود الإشكال .
(1) وسائل الشيعة 15 / 369 ، الباب 56 من أبواب جهاد النفس ، رقم : 1 .
(2) وسائل الشيعة 6 / 289 ، الباب 19 من أبواب القنوت ، رقم : 3 .
(3) مستدرك الوسائل 18 / 20 .
(4) جامع الأحاديث 1 / 327 .
(5) وسائل الشيعة 8 / 212 ، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصّلاة .