مناقشة هذا الإشكال
وقد ناقش الاستاذ هذا الكلام في جميع جهاته :
أمّا قوله : القطع ليس كالمرآة حتى يعقل أن يلحظ باللّحاظين .
فهو أوّل الكلام ، فقد ذكر هذا المحقق ـ في حقيقة القطع ـ أنّ حقيقته هي النوريّة ، فهي عين القطع لا من لوازمه ، والنور ـ كما هو معروف ـ ظاهر بذاته ومظهرٌ لغيره ، فيمكن لحاظه ولحاظ الغير به ، كذلك القطع . فما ذكره هنا ينافي كلامه هناك .
هذا نقضاً .
وأمّا حلاًّ ، فإنّ القطع لحاظٌ ، ولكلّ لحاظ ملحوظ ، كالرؤية حيث لها مرئي ، فكما تلحظ الرّؤية بنفسها وتلحظ فانيةً في المرئي ، كذلك القطع يلحظ بنفسه ويلحظ فانياً في المتعلّق المقطوع به ، غير أنّ اللّحاظ رؤية نفسانية ، والرؤية رؤية جسمانيّة .
وأمّا قوله : ليس القطع بما هو من وجوه متعلّقه وعناوينه .
فهذا صحيح ، ولكنّ اللّحاظ الآلي والاستقلالي غير منحصرين بالعناوين والوجوه ، فإنّ الرؤية ليست عنواناً للمرئي ووجهاً له ، والنور ليس وجهاً وعنواناً للمستنير ، إلاّ أنه يلحظ بنفسه ويلحظ فانياً في المستنير .
وأمّا تقريبه الإشكال بما ذكره ، ففيه :
أوّلاً : إنّ مورد الكناية هو ما إذا كان أمران بينهما ملازمة ، فينتقل من أحدهما إلى الآخر ، كما في مثل زيد كثير الرماد ، فإنْ ذلك من لوازم الجود ، فإذا قيل كذلك ، انتقل الذهن إلى جود زيد ، لوجود الملازمة بين الأمرين ، ولكن التحقيق عدم وجود الملازمة بين القطع أو الظنّ ومتعلّقه ، لأنّ المتعلّق هو المقطوع بالذات وموطنهما الذّهن ، والمنطبَق عليه المتعلّق خارجاً هو المقطوع بالعرض ، أمّا المقطوع بالذات ، فإنّه قوام مفهوم القطع ، والقطع محتاج إليه في أصل وجوده ، لكنهما موجودان بوجود واحد وليسا متلازمين . وأمّا المقطوع بالعرض ، فوجوده غير وجود القطع كما هو واضح ، لكن لا تلازم بينهما قطعاً كذلك ، وإلاّ يلزم أنْ لا يتحقق الجهل المركب أصلاً ، لاستحالة التفكيك بين المتلازمين .
فما ذكره من كون حال القطع ومتعلّقه ـ وكذا الظن ـ من قبيل الكناية ، غير صحيح ، إذ لا يوجد التلازم بين القطع ومتعلّقه ـ وكذلك الظن ـ كما يوجد في باب الكناية ، بل الأثر يترتب على الوجود الخارجي للمقطوع كالخمر مثلاً وحكمه الحرمة .
وثانياً : إنه لا يلزم ـ فيما نحن فيه ـ محذور الاجتماع بين الحقيقة والكناية . وذلك : لأن المتلازمين على نحوين ، فقد لا يكون بينهما نسبة الحكاية والدلالة ، كما في الجود وكثرة الرماد ، حيث أنهما متلازمان لكنْ لا توجد بينهما نسبة الحكاية والدلالة والكشف ، ولذا يكون أثر كلٍّ منهما مختصّاً به ولا يترتب على الآخر ، فلو اُريد ترتيبه احتيج إلى جعل أحدهما كنايةً عن الآخر ، كما في المثال ، حيث تجعل كثرة الرماد كناية عن الجود .
وقد يكون بين المتلازمين نسبة الحكاية والكشف والدلالة ، وفي هذه الحالة يرتَّب عرفاً أثر أحدهما على الآخر بلا حاجة إلى الكناية ، كما هو الحال بين اليقين والمتيقّن ، فإنّ كلّ يقين يستلزم المتيقّن ، فإذا قال : إذا تيقّنت بعدالة زيد فصلّ خلفه ، كانت الصّلاة خلفه أثراً لليقين بحسب ظاهر العبارة ، لكن العرف يرتّبون هذا الأثر على المتيقّن ، هو العدالة ، لأن اليقين كاشف عن المتيقّن ودالّ عليه ، فقول المولى : رتّب الأثر على يقينك ، معناه : رتّب الأثر على المتيقّن .
فما ذكره المحقّق الاصفهاني من الكنائية ، إنما يكون حيث لا كاشفية لأحد المتلازمين عن الآخر ، وإلاّ فإنّ أهل العرف يرتّبون الأثر ولا يلزم استحالة الجمع .
وتلخّص : اندفاع الاشكال على الكفاية ، وعدم تماميّة التقريب المذكور كذلك .
Menu