مناقشة المحقق الخراساني
ويرد الإشكال على المحقق الخراساني في حلّه ونقضه :
أمّا ما ذكره في مرحلة الحلّ ، ويتلخّص في :
أنّ الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال غير واصل إلى مرحلة الفعليّة بل باق في مرحلة الإقتضاء ، لكن الأصل العملي موضوعه هو الشكّ في الحكم الواقعي وهو في مرحلة الفعليّة ، فلا تضادّ ولا تناقض بينه وبين الحكم الواقعي .
فالجواب :
إنّ فعليّة الحكم عند المحقّق الخراساني تدور مدار وجود الموضوع وقيوده ـ لا بوصول الحكم إلى المكلّف كما تقدم ـ وعليه ، فعدم كون الحكم المعلوم بالإجمال فعليّاً هو من أجل عدم العلم به بالتفصيل ، فما لم يكن علم تفصيلي بالحكم فذاك الحكم غير فعلي ، ومعنى هذا الكلام أن يكون للعلم التفصيلي بالحكم دخلٌ في موضوع نفس الحكم ، وهل يعقل أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم ؟
قد تقدّم استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم .
ولو قيل : بأنّ المقصود هو أنّ العلم التفصيلي بالحكم في مرتبة الإنشاء دخيل في الحكم في مرتبة الفعليّة له . وهذا ممكنٌ عند صاحب الكفاية وجماعة .
قلنا : هذا في عالم الثبوت ، وأين الدليل عليه في عالم الإثبات ؟ إنه لا يوجد دليلٌ على أخذ العلم التفصيلي بالحكم إنشاءً في موضوع نفس الحكم في مرحلة الفعليّة .
هذا ، على أنّ موضوع البحث ـ كما ذكر المحقق الإصفهاني ـ هو العلم الطريقي لا المأخوذ في الموضوع .
هذا أوّلاً .
وثانياً : هل العلم الإجمالي بيانٌ للحكم أوْ لا ؟ وعلى الأول ، تارةً يطابق الواقع واخرى يخالفه .
أمّا إن لم يكن للعلم الإجمالي بيانيةٌ أصلاً ، فهذا خلاف الفرض ، لأنّ المحقق الخراساني قد قرّر أنّ للعلم الإجمالي اقتضاءً ـ وليس كالشك والجهل ـ ولذا لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في مورد العلم الإجمالي .
فالعلم الإجمالي بيانٌ على التكليف من قبل المولى ، وإذا قام البيان على التكليف ، استحق العقاب على مخالفته إن كان البيان مطابقاً للواقع ، لأن الارتكاب معصية ، وإنْ كان مخالفاً للواقع ، فالإرتكاب تجرّ من العبد ، وقد قرّر هذا المحقّق أن التجري هتك للمولى .
وعليه ، فإنّ جريان الأصل في طرفي الشبهة المحصورة ، يستلزم إمّا الإذن في المعصية ، وإمّا الإذن في هتك المولى الحقيقي ، وكلاهما باطل .
وأمّا ما ذكره في مرحلة النقض ، فالجواب :
أمّا عن الشبهة البدويّة ، فإن صاحب الكفاية نفسه ذهب إلى البراءة في الشبهة البدويّة . وعلى الجملة : إنه لا بيان فيها ، ومع عدم البيان فالعقاب قبيح .
بخلاف مورد العلم الإجمالي ، فإنه بيان ، ومعه لا يجري الأصل . فبين المسألتين فرق واضح ، فالنقض غير وارد .
نعم ، تبقى مشكلة جريان البراءة الشرعيّة ، إذ كيف يجمع بين الرفع والوجوب المحتمل أو الحرمة المحتملة ، وقضيّة كيفيّة الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ممّا تعرّض له العلماء ، ولكلٍّ منهم مسلك كما سيأتي .
وأمّا عن الشبهة غير المحصورة ، فكلامه صريحٌ في أنه قياس مع الفارق ، لأنّه قد صرّح هناك بأن بقاء التكليف في مورد الشبهة غير المحصورة ، يستلزم العسر والحرج والضرر ، وعمومات نفيها ترفعه … فمن يقول هذا هناك ، كيف يعترض على الشيخ هنا ؟
Menu