مناقشة القول المذكور
وأورد عليه شيخنا بوجوه :
الأول : إن كان حسن العدل وقبح الظلم من القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء ، فإن هذا التطابق لا يكون بلا ملاك ، والملاك هو المنشأ للحسن والقبح ، وقد ذكر أنّ الملاك هو المصلحة المترتبة على العدل والمفسدة المترتبة على الظلم ، إلاّ أنه يأتي السؤال مرةً اخرى عن تلك المصالح والمفاسد ، فيجاب بحفظ النظام واختلاله ، فكان موضوع الحسن هو حفظ النظام وموضوع القبح هو اختلاله ، وهذا خلف ما فرض من أن الموضوع في القضيتين هو العدل والظلم .
الثاني : إن القول بكون الحسن والقبح من القضايا الجعلية العقلائيّة ، يستتبع أمراً فاسداً مهمّاً لا نظنّ أن يلتزم به هذا المحقق ولا غيره ، وذلك : لأنّ البحث عن المبدأ والمعاد والنبوّة وغير ذلك من اصول الدين ينتهي إلى الحسن العقلي ، كما أن تركه ينتهي إلى القبح العقلي ، فلو كان الحسن والقبح من القضايا العقلائية ، لم يبق ملزمٌ للفحص والبحث في اصول الدين .
الثالث : إن القول المذكور يستلزم أمراً فاسداً آخر ، وهو انتفاء القبح عن الظلم حيث لا تترتب المفسدة النوعية عليه ، وكذا الحسن عن العدل حيث لا تترتب عليه المصلحة النوعية … والحال أن كثيراً من الأحكام الشرعية لا يترتب عليها المفسدة أو المصلحة النوعية ، فلو أنّ شخصاً ترك صلاة الصبح ولم يطّلع على ذلك أحد ، فأيّ مفسدة نوعية تترتب ؟ وهل يمكن القول بعدم استحقاق العقاب حينئذ ؟
إن مخالفة أيّ حكم من الأحكام الشرعيّة الإلزامية ـ سواء النظامية منها وغير النظامية ـ يوجب استحقاق العقاب بلا إشكال .
الرابع : إن الامور الاعتبارية تدور مدار الاعتبار ووجود المعتبر ، فلو فقد المعتبر أو وجد من دون أن يعتبر ، لانتفى الأمر الاعتباري ، هذا من جهة . ومن جهة اخرى : إن للعقل القدرة على تصوّر جميع الفروض .
وعلى ما ذكر ، فلو فرض انتفاء النظام والمصالح والمفاسد النوعية بعدم وجود العاقل والعقلاء في العالم ، فإنّ العقل في ذلك الفرض يدرك حسن العدل وقبح الظلم كما يدرك أن الكلّ أعظم من الجزء ، وبذلك ينكشف أن هاتين القضيتين ـ أي حسن العدل وقبح الظلم ـ ليستا من الامور الاعتبارية العقلائية .
فتلخص : إن الحقّ ما عليه المشهور من الفقهاء والاصوليين ، من أن حسن العدل وقبح الظلم من ذاتيّات العدل والظلم ، وليسا معلولين للمصالح والمفاسد النوعيّة .
Menu