منافاة الإحتياط مع روايات التعلّم
والإشكال الأخير على القول بكفاية الامتثال الإجمالي عن التفصيلي هو :
منافاته مع الروايات الكثيرة الآمرة بالتعلّم ، فإنّها تقتضي وجوب الإتيان بالعمل عن الإجتهاد أو التقليد ، لأنه يكون عن علم ، فالقول بكفاية الإمتثال الإجمالي طرح لجميع هذه الروايات .
والجواب :
إن الوجوب في الشريعة على أقسام :
أحدها : الوجوب النفسي فإنْ كانت الروايات دالّةً على وجوب التعلّم وجوباً نفسيّاً ، بأن يكون الغرض من جعل التكليف قائماً بنفس العمل ، فالإشكال وارد .
والثاني : الوجوب الإرشادي ، بأنْ يكون ارشاداً إلى حكم العقل .
والثالث : الوجوب الغيري ، بأنْ تكون المصلحة غير قائمة بالعمل بل بما يراد الوصول إليه بالعمل .
والرابع : الوجوب الطريقي ، بأنْ يكون الداعي إلى الجعل هو التحفّظ على الواقع كما في موارد جعل الاحتياط ، وقد يجعل الإحتياط بملاك أنه يقوّي العزم على الإطاعة وحصول الملكة ، فيكون وجوبه نفسيّاً .
أمّا حمل روايات التعلّم على الإرشاد ، فغير صحيح ، لإمكان حملها على المولويّة ثبوتاً ، والأصل في الخطابات الشرعيّة هو المولويّة .
وأمّا حملها على الوجوب الغيري ، بأنْ يكون التعلّم واجباً شرعاً من باب المقدّمة ، فهذا أوّل الكلام ، للاختلاف في وجوب مقدّمة الواجب بالوجوب الشرعي . هذا أوّلاً . وثانياً : إن مورد الوجوب الغيري المقدّمي هو ما يكون ذو المقدّمة موقوفاً على المقدمة في الوجود ، وليس التعلّم ما يتوقف وجود ذي المقدّمة عليه ، بل التعلّم مقدّمة علميّة لذي المقدّمة ، والفرق بين المقدّمة الوجوديّة والمقدّمة العلميّة واضح .
فيدور أمر وجوب التعلّم بين أن يكون نفسيّاً أو طريقيّاً ، لكنّه ليس وجوباً نفسيّاً ، لوجهين :
أحدهما : ما اشتملت تلك الروايات عليه من القرينة على عدم النفسيّة ، مثل الخبر : «إن اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة :
عبدي ، أكنت عالماً ؟
فإنْ قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت ؟
وإنْ قال : كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلّمت حتى تعمل ؟ فيخصمه .
فتلك الحجة البالغة »(1) .
فيظهر أن التعلّم ليس مطلوباً بنفسه .
والثاني : إنه يستلزم تعدّد العقاب إذا ترك العمل ، وهذا خلاف الإجماع بالضرورة .
فتعيّن أن يكون الوجوب في هذه الروايات طريقيّاً ، والوجوب الطريقي يجتمع مع الاحتياط ولا يمنع عنه ، لأنّ الوجوب الطريقي إنّما هو لحفظ الواقع ، ووجوب التعلّم لحفظ الواقع كذلك .
(1) تفسير كنز الدقائق 3 / 479 .