كلام صاحب الكفاية
وقال المحقق الخراساني رحمه اللّه :
إنّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعاً ولا يحرز التعبّد به واقعاً عدم حجيّته جزماً ، بمعنى : عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعاً . فإنها لا تكاد تترتّب إلاّ على ما اتّصف بالحجيّة فعلاً ، ولا يكاد يكون الاتصاف بها إلاّ إذا اُحرز التعبّد به وجعله طريقاً متّبعاً ، ضرورة أنه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرّد إصابته ، ولا يكون عذراً لدى مخالفته مع عدمها ، ولا يكون مخالفته تجريّاً ، ولا يكون موافقته بما هي موافقة انقياداً وإنْ كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا وقعت برجاء إصابته ، فمع الشك في التعبّد به يقطع بعدم حجيّته وعدم ترتّب شيء من الآثار عليه ، للقطع بانتفاء الموضوع معه .
ولعمري ، هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان .
ثم اعترض على قول الشيخ بأنّ الحجيّة هي جواز الإسناد والإستناد بقوله :
وأمّا صحّة الالتزام بما أدّى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى ، فليسا من آثارها .
ضرورة أن حجيّة الظن عقلاً على تقرير الحكومة في حال الإنسداد لا توجب صحّتهما ، فلو فرض صحتهما شرعاً مع الشكّ في التعبد به لما كان يجدي في الحجيّة شيئاً ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها ، ومعه لَما كان يضرّ عدم صحّتهما أصلاً ، كما أشرنا إليه آنفاً ، فبيان عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبّد ، وعدم جواز إسناده إليه تعالى غير مرتبط بالمقام ، فلا يكون الاستدلال عليه بمهم ، كما أتعب به شيخنا العلاّمة نفسه الزكيّة …(1) .
ومحصّل كلامه :
إنّ آثار الحجيّة هي المنجّزية والمعذريّة والتجرّي والانقياد ، وهي آثار عقليّة تدور مدار وصول الحجّة وتحقّق التعبّد به ، ومع الشكّ في التعبّد بمؤدّى الظن يقال بعدم ترتب تلك الآثار ، ولا حاجة إلى الاستدلال لعدم جواز التعبّد بالأدلّة اللّفظية من الكتاب والسنّة كما فعل الشيخ .
وأيضاً : ففي الاستدلال بذلك على عدم اعتبار الأمارة المشكوك في صحّتها بأنّ الالتزام بمثل تلك الأمارة وإسناد مؤداها إلى اللّه افتراء عليه ، إشكال آخر ، من جهة أن عدم جواز الإسناد والإستناد لا يكشف دائماً عن عدم الحجيّة ، لأن الحجيّة في ظرف الإنسداد ثابتة للظنّ عقلاً بناءً على الحكومة ، والحال أنه لا يجوز الإسناد .
فظهر أن صاحب الكفاية يخالف الشيخ في نقطتين :
الاولى : في آثار الحجيّة .
والثانية : في كيفيّة الاستدلال لأصالة عدم الحجيّة .
(1) كفاية الاصول: 279 ـ 280 .