في المراد من « الحجّة »
وللحجّة مصطلحات ثلاثة :
الأوّل : المصطلح الاصولي ، وهو ما يقع في كبرى قياس الاستنباط .
الثاني : المصطلح المنطقي ، وهو ما يقع وسطاً في القياس .
والثالث : المفهوم اللّغوي ، وهو مطلق ما يحتجّ به المولى على العبد أو يعتذر به العبد أمام المولى .
فإنْ كان المراد من « الحجة » في التعريف هو الاصطلاح الاصولي ، فإنّ القطع حجّة وليس بمقيم الحجة ، لأن القطع عين الانكشاف للحكم وليس طريقاً لاستنباطه .
وإنْ كان المراد هو الاصطلاح المنطقي ، فكذلك ، لأنّ الوسط في القياس المنطقي ما هو العلّة أو المعلول للأكبر ، أو هما معلولان لعلّة ثالثة ، والحال أن القطع ليس بعلّة للحكم ولا هو معلول له ولا هما معلولان لعلّة ثالثة .
وإنْ كان المراد هو المعنى اللّغوي ، فإنّ القطع حجةٌ بلا كلام .
وإلى ما ذكرنا أشار سيّدنا الاستاذ(1) وشيخنا في الدورة اللاّحقة .
لكنّ كون مراد المحقق الإصفهاني من « الحجّة » في تعريف مسائل علم الاصول هو المعنى اللّغوي ، أوّل الكلام ، وممّا يؤيّد النّظر إشكال الاستاذ على التعريف المذكور باستلزامه خروج كثير من المسائل عن الاصول بوجه ودخول علم الرّجال في الاصول بوجه آخر(2) . فلو كان المقصود من الحجّة هو المعنى اللّغوي لَما ورد عليه الإشكال أصلاً ، بل المحقق الإصفهاني نفسه غير موافق على ذلك . قال :
نعم ، إذا كان البحث في التجرّي بحثاً عن تعنون الفعل المتجرّى به بعنوان قبيح ملازم ، بقاعدة الملازمة للحرمة شرعاً ، دخل في مسائل الفن . لكنّه لم يحرّر بهذا العنوان في الكتاب وغيره(3) .
أقول :
ولعلّ الوجه في عدم تحرير التجرّي بهذا العنوان في الكتب الاصوليّة ، ليكون من المسائل الاصوليّة هو : أنّ البحث عن قبح الشيء عقلاً بحث عن صغرى قاعدة الملازمة ، فهو نظير البحث عن صغرى أدلّة حجيّة خبر الثقة ، وهو وثاقة زيد مثلاً ، فإنّ موضعه علم الرجال ، فإذا تمّت وثاقته هناك وانضمّ ذلك إلى ما دلّ على حجيّة خبر الثقة ، كانت المسألة اصوليّة .
وبعبارة اخرى : إن المسألة الاصوليّة عبارة عن المسألة المستنبَط منها الحكم الشرعي من غير حاجة إلى ضمّ ضميمة ، ولذا قال الميرزا بكونها كبرى القياس ، بل يعتبر على تعريف المحقق الإصفهاني أيضاً إفادتها الحجّة على حكم العمل بنفسها لا مع غيرها ، وقد عرفت أنّ التجري لا يستنبط منه الحكم إلاّ بضمّ قاعدة الملازمة إليه .
(1) منتقى الاصول 4 / 31 .
(2) تحقيق الاصول 1 / 44 .
(3) نهاية الدراية 3 / 12 .