رأي صاحب الكفاية
قال في الكفاية :
لا ريب في قيام الطرق والأمارات المعتبرة بدليل حجيّتها واعتبارها مقام هذا القسم .
يعني : القطع الطريقي المحض الذي تقدّم بيان وضوح قيامها مقامه ، ولذا قال : « لا ريب … » .
قال :
كما لا ريب في عدم قيامها بمجرّد ذلك الدليل مقام ما اُخذ في الموضوع على نحو الصفتيّة من تلك الأقسام ، بل لابدّ من دليل آخر على التنزيل ، فإنّ قضية الحجيّة والإعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار لا ماله بما هو صفة وموضوع ، ضرورة أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصّفات .
وهذا بيان ما ذكرناه بالنسبة إلى القطع الوصفي .
قال :
ومنه قد انقدح عدم قيامها بذلك الدليل مقام ما اُخذ في الموضوع على نحو الكشف ، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعاً كسائر ما له دخل في الموضوعات أيضاً ، فلا يقوم مقامه شيء بمجرّد حجيّته أو قيام دليل اعتباره ، ما لم يقم دليل على تنزيله ودخله في الموضوع كدخله(1) .
أقول :
وهذا المقطع الأخير هو مورد النظر ، فإنّه يرى أنْ لا فرق بين القطع الموضوعي الوصفي والقطع الموضوعي الكشفي في عدم قيام الأمارة مقامه ، لعدم وجود الفرق في وجه عدم القيام .
ثم تعرّض رحمه اللّه لكلام الشيخ قدّس سرّه فقال :
وتوهّم كفاية دليل الاعتبار الدالّ على إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع من جهة كونه موضوعاً ومن جهة كونه طريقاً ، فيقوم مقامه ، طريقاً كان أو موضوعاً .
فاسد جدّاً .
فإنّ الدليل الدالّ على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفي إلاّ بأحد التنزيلين ، حيث لابدّ في كلّ تنزيل منهما من لحاظ المنزّل والمنزّل عليه ، ولحاظهما في أحدهما آليّ وفي الآخر استقلالي ، بداهة أن النظر في حجيّته وتنزيله منزلة القطع في طريقيّته في الحقيقة إلى الواقع ومؤدّى الطريق ، وفي كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما ، ولا يكاد يمكن الجمع بينهما … .
ثم تعرّض في الأخير لكلامه في حاشية الرّسائل فقال : بأنّه لا يخلو من تكلّف بل تعسّف .
وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء اللّه .
أقول :
ومحصّل ما ذهب إليه هو : أن المستفاد من أدلّة اعتبار الأمارة هو تنزيلها بمنزلة الواقع ، لكن القاعدة العامة في تنزيل شيء بمنزلة شيء هي لحاظ الشيء المنزّل والشيء المنزّل عليه وجهة التنزيل ، كما في تنزيل الطواف بمنزلة الصّلاة ، فإنهما يلحظان ويلحظ الأثر والحكم الثابت للصّلاة المراد إثباته للطواف ، فلابدّ من لحاظ كلّ ذلك باللّحاظ الموضوعي حتى يتم التنزيل .
وعليه ، فلو وقع القطع بشيء موضوعاً لحكم يكون لا محالة ملحوظاً باللّحاظ الاستقلالي وينعزل عن الطريقيّة تماماً ، كما في : إذا قطعت بوجوب الصّلاة وجب عليك التصدق بكذا ، فإنّ وجوب التصدّق يترتب على القطع ويكون هو موضوع الأثر ، فلو اُريد تنزيل الأمارة ـ بدليل اعتبارها ـ بمنزلة الواقع لم يمكن إلاّ بلحاظهما على نحو الطريقيّة ، مثلاً : إذا قامت البيّنة على خمريّة المائع ، دلّ دليل حجيّتها على وجوب الاجتناب عنه وتنزيله بمنزلة الخمر الواقعي في ذلك ، ولولا لحاظ المؤدّى ـ وهو الخمريّة ـ ولحاظ الواقع الذي تحقق القطع به ، لما أمكن التنزيل ، ومن الواضح أن هذين اللّحاظين آليّان … فكان الملحوظ استقلاليّاً وآليّاً معاً ، والاستقلاليّة والآليّة لا يجتمعان .
(1) كفاية الاصول : 263 .