رأي صاحب الكفاية في قبال الشيخ
وذهب صاحب الكفاية إلى استحقاق العقاب ـ مضافاً إلى المذمّة ـ لكنّه إنما يستحقّه لفعل قلبي وهو « العزم » ، لا للصّفة النفسانيّة وهي خبث السريرة كما قال الشيخ ، ولا من أجل وقوع الفعل خارجاً ، كما عليه المحقق الإصفهاني وغيره … .
فيظهر أن لكلامه جهة إثبات وجهة نفي .
أمّا في جهة الإثبات ، فاستدلّ بالوجدان قائلاً :
لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته وذمّه على تجرّيه وهتكه لحرمة مولاه وخروجه عن رسوم عبوديّته وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان ، وصحة مثوبته ومدحه على قيامه بما هو قضية عبوديّته ، من العزم على موافقته والبناء على إطاعته ، وإنْ قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذةً أو مثوبةً ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة ، بمجرد سوء سريرته أو حسنها ، وإنْ كان مستحقّاً للوم أو المدح بما يستتبعانه … .
ثم قال : ولا يخفى أنّ في الآيات والروايات شهادةً على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الإطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة .(1)
أقول :
فهو يرى أنّ للعقل هنا حكمين .
أحدهما : استحقاق الذم والمدح على خبث السريرة وطهارتها ، فإنه يمدح صاحب السريرة الصّافية على هذه الصفة كما يمدح اللؤلؤ على صفائه ، ويذم صاحب السريرة الخبيثة .
والحكم الثاني : هو استحقاق المؤاخذة والعقاب من المولى على العزم على المعصية ، وكونه في مقام صدور الفعل المستلزم لهتك المولى ، والعزم فعلٌ قلبي اختياري يستحقُّ عليه العقاب والثواب .
فهذا ما يشهد به الوجدان ، والنصوص الشرعيّة شاهدة بذلك ، كقوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(2) وقوله عليه السلام « نيّة الكافر شرّ من عمله »(3) .
وأمّا في جهة النفي ، فذكر أربعة وجوه ، وملخّص كلامه فيها :
1 ـ كون الشيء مقطوع الخمرية ـ مثلاً ـ لا يوجب تعنونه بعنوان من العناوين المقبّحة كالظلم .
2 ـ كونه قابلاً للتعنون بالقبح ـ مثلاً ـ موقوف على الإلتفات إلى العنوان ، والحال أن كون الشيء مقطوع الخمرية غير ملتفت إليه عند الإرتكاب ، والحكم العقلي متوقف على صدق هذا العنوان .
3 ـ إن موضوعات الأحكام العقلية يجب تعلّق القصد بها بالإضافة إلى الالتفات ، وليس هذا المائع قد قصد شربه بعنوان كونه مقطوع الخمرية .
4 ـ إنه يعتبر اختيارية الفعل ، وفي موارد القطع بالموضوع المخالف للواقع لا تحقق للفعل الاختياري ، فلا موضوع لحكم العقل بالقبح . أي : إنّه لمّا قطع بأنّ هذا خمر ـ وكان ماءً في الواقع ـ أقدم على شربه بعنوان الخمرية ، إلاّ أن شرب الخمر لم يصدر منه اختياراً ، لعدم كونه خمراً ، ولم يشرب الماء عن اختيار ، لأنه لم يكن من قصده ، فهو لم يحصل منه عمل اختياري مقصود .
(1) كفاية الاصول : 259 .
(2) سورة الإسراء : 36 .
(3) وسائل الشيعة 1 / 50 ، الباب 6 من أبواب مقدمات العبادات ، رقم : 3 .