رأي السيد الخوئي
وقد تبع السيد الخوئي الشيخ قدّس سرّهما ، قال :
إن الحجيّة لها أثران ، صحّة الإستناد إليها في مقام العمل وصحّة إسناد مؤدّاها إلى الشّارع .
ثم قال مستشكلاً على الكفاية :
وأمّا تنجيز الواقع فلا يتوقّف على الحجيّة ، لأنه ثابت بالعلم الإجمالي الكبير ، أي العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية أو بالعلم الإجمالي الصغير ، كما في دوران الأمر بين وجوب الظهر والجمعة أو دوران الأمر بين وجوب القصر والتمام ، بلا فرق في ذلك بين الشبهات الحكميّة والموضوعية ، بل قد يكون التنجيز ثابتاً بمجرّد الاحتمال كما في الشبهات قبل الفحص . ففي جميع هذه الموارد كان التنجيز ثابتاً قبل قيام الأمارة على التكليف ، ومع قيامها عليه لا يجئ بتنجيز آخر .
قال : نعم ، كان قيام الأمارة المعتبرة على أحد طرفي العلم الإجمالي مسقطاً لوجوب الإحتياط وكان معذّراً على تقدير مخالفة الواقع ، كما إذا دلّت الأمارة على وجوب صلاة الظهر وعمل بها المكلّف وكان الواجب في الواقع هو صلاة الجمعة ، فكان المكلّف حينئذ معذوراً غير مستحقٍّ للعقاب لا محالة .
ثم ذكر إشكال الكفاية على الشيخ وأجاب عنه فقال :
ما ذكره صاحب الكفاية من أنه لا يمكن أن لا يكون الشيء حجةً وصحّ إسناد مؤدّاه إلى الشارع ، لا يتصوّر له وجه معقول إلاّ مع الالتزام بجواز التشريع .
وكذا ما ذكره من أنه يمكن أنْ يكون الشيء حجةً ولا يصحّ إسناد مؤدّاه إلى الشارع ، فإنه أيضاً مجرّد تخيّل لا يتعقّل له وجه صحيح .
وأمّا ما ذكره من أنّ الظنّ على تقرير الحكومة حجة ولا يصح إسناد المظنون إلى الشارع ، ففيه : إنّ مقدّمات الإنسداد على تقرير الحكومة ، لا تنتج حجيّة الظنّ ، بل نتيجتها التبعيض في الاحتياط ، بالأخذ بالمظنونات دون المشكوكات والموهومات .
قال : فتحصّل أن الصحيح ما ذكره الشيخ …(1) .
أقول :
ويمكن الجواب : بأنه إذا كان عندنا علم إجمالي بحرمة أحد الإناءين مثلاً ، وأثّر العلم استحقاق العقاب على ارتكابهما معاً ، فإذا قام خبر الواحد على كون أحدهما المعيّن هو المحرّم ، لا يكون أثره التنجّز مرّةً ثانيةً ، لأن المنجّز لا يتنجّز ثانياً ، لكنْ تصحّ مؤاخذة المكلّف على مخالفته للخبر القائم والاعتذار ، فالقول بأنّ المنجزيّة أثر العلم لا الحجيّة ، لا يمكن المساعدة عليه ، فكانت صحّة المؤاخذة مستندة إلى الحجّة وإنْ كانت هناك حجّة أخرى ، ولا أقلّ من أن تكون الحجّة الثانية مؤكّدة للاُولى ، فلم يكن جعلها في ظرف وجود الاولى بلا أثر ، فيتمّ ما ذكره صاحب الكفاية .
ثم إنّ الحجيّة مباينة مفهوماً مع جواز الإسناد والإستناد ، وأمّا من حيث المصداق ، فكلّ مورد جاز فيه الإسناد والإستناد وجدت الحجيّة هناك ولا عكس . وعليه ، فجواز الإسناد قبل الفحص إلى الشارع وإنْ كان الاحتمال حجةً ، والعلم الإجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة حجة بالنسبة إلى كليهما ، ولكنْ لا يجوز إسناد وجوبهما إلى الشارع ، وكذا حجيّة الظن الإنسدادي بناءً على الحكومة ، فإنها موجودة ولكنْ لا يجوز إسناد المظنون إلى الشارع .
فظهر : أن الحجيّة أعم من جواز الإسناد والإستناد .
وتحصّل : أن الأثر ليس ما ذكره الشيخ فقط ، بل هو المنجزيّة أيضاً ، بمعنى المصححيّة لجواز الإستناد إليه في المؤاخذة ، لا بمعنى استحقاق المؤاخذة .
هذا ، ولا يخفى أنه إن كانت الحجيّة بمعنى الطريقيّة ، فهي غير منفكّة عن جواز الإسناد ، وأمّا إن كانت بمعنى يُحتجّ به بين المولى والعبد ، وقع التفكيك بينهما وبين جواز الإستناد ، وهذه نكتة مهمّة .
(1) مصباح الاصول 2 / 111 ـ 113 .