دليل القول بالقيام
وقد استدلّ(1) للقول بقيام الاصول المحرزة مقام القطع الموضوعي الكشفي ، كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز ـ بناءً على عدم كونها من الأمارات ـ وقاعدة عدم اعتبار الشك من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر ، وقاعدة عدم اعتبار الشك ممّن كثر شكّه وخرج عن التعارف … .
بأنّ الشارع قد اعتبر موارد جريان هذه القواعد علماً ، فتترتّب عليها آثار العلم عقليّةً وشرعيّةً ، ومن ذلك هو الحكم المأخوذ في موضوعه القطع .
فإنْ قيل : كيف تعتبر علماً وقد اُخذ الشكّ في موضوع الاصول ، فإنّ اعتبارها علماً ـ مع التحفّظ على الشك المأخوذ في موضوعها ـ اعتبارٌ للجمع بين النقيضين ؟
قلنا :
أمّا نقضاً ، فإنّ الأمارات أيضاً مأخوذٌ في موضوعها الشك ، وقد تقرّر قيامها مقام القطع ، غاية الأمر أن الاصول قد اُخذ الشك في موضوعها في لسان الدليل اللّفظي ، وفي الأمارات قد ثبت ذلك بالدليل اللبّي ، بل لقد اُخذ الشك في موضوع بعض الأمارات في لسان الدليل اللّفظي أيضاً ، كقوله تعالى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(2) .
وأمّا حلاًّ : فإنّ الشك المأخوذ في موضوع الاصول هو الشكّ الوجداني ، والعلم تعبّد من الشارع ، ولا تنافي بين الشك الوجداني والعلم التعبّدي ، ولو كان منافاة لما صحّ التنزيل في مثل « الطواف بالبيت صلاة »(3) و« الفقّاع خمر استصغره الناس »(4) ونحوهما ، لكنّ التنزيل صحيح ، لأنه تعبد من الشارع مع كون الفقّاع غير الخمر وجداناً ، والطواف غير الصّلاة .
(1) مصباح الاصول 2 / 38 ـ 39 .
(2) سورة الأنبياء : 7 .
(3) أرسله العلاّمة في التذكرة 8 / 85 ، وهو عامّي كما في الهامش عن عدّة من مصادرهم .
(4) وسائل الشيعة 25 / 365 ، الباب 28 من أبواب الأشربة المحرّمة .