دفاع المحقق الإصفهاني
وقد دافع المحقق الإصفهاني وأجاب عن إشكال الدور بقوله :
ويندفع الدور : بأن مفاد الأصل بنفسه رفع الحكم من الوجوب أو الحرمة ، لا أنه يتوقف على رفعه .
وليس لازم رفع الحكم الإذن في المخالفة الإلتزاميّة المحرّمة فإنها لا تحرم ، بل لا تتحقّق إلا مع ثبوت الحكم ولا مانعيّة لحرمة المخالفة الالتزاميّة أو قبح الإذن فيها إلاّ على تقدير ثبوت موضوعها ، وما لا مانعيّة له إلاّ على تقدير ثبوت موضوعه كيف يمنع عن رفع موضوعه ؟
فإن قلت : هذا بالإضافة إلى الحكم الفعلي، فإنه مرفوع بالأصل ، وأمّا الحكم الواقعي ، فلو وجب الالتزام بالحكم الواقعي المعلوم بالإجمال مع ثبوته حتى مع جريان الأصل يلزم من جريانه الإذن في المخالفة الالتزاميّة .
قلت :
أوّلاً : لا نسلّم حرمة المخالفة الإلتزاميّة للواقعي المحكوم بعدمه تنزيلاً ، ومفاد الأصل رفعه تنزيلاً ، فلا يمنع إلا حرمة المخالفة الإلتزاميّة لما له ثبوت ولم يكن منفيّاً ولو تنزيلاً .
وثانياً : حيث إن مفاد الأصل رفع الوجوب الفعلي أو الحرمة الفعليّة ، فلازمه عدم الالتزام بالوجوب الفعلي أو الحرمة الفعليّة ، لا عدم الالتزام بالوجوب الواقعي أو الحرمة الواقعية حتى يكون بلحاظ هذا اللاّزم قبيحاً .
لكنه يناسب ما سلكناه في عدم المانعيّة ، لا ما سلكه « قدس سره » في عدمها بلحاظ عدم الموضوع لوجوب الموافقة الالتزاميّة .
وبناء على هذا الجواب ، لا حاجة إلى قصر وجوب الموافقة الإلتزاميّة على الحكم الفعلي الذي لم يرفع تنزيلاً ، بل يجتمع مع وجوب الالتزام بكلّ ما ثبت من الشارع على حسب مرتبته من الثبوت ، فتدبّر(1) .
وتوضيحه :
إن مانعيّة وجوب الالتزام القلبي أيضاً موقوف على تحقق موضوعه ، والموضوع هو « الحكم » أي « الوجوب » ، وإذا جرى الأصل انتفى الوجوب ، وحيث لا موضوع ، فلا يمكن للموافقة الإلتزاميّة المانعيّة عن جريان الأصل .
وعلى الجملة ، فإنه في مثل الوضوء بالماء المردّد بين الطهارة والنجاسة ، بناءً على وجوب الموافقة الإلتزاميّة ، يرتفع هذا الوجوب بقوله عليه وآله السلام : « رفع ما لا يعلمون »(2) ، فمع جريان البراءة لا يبقى وجوب ، فلا موضوع للموافقة .
وهذا مقصود الشيخ ، ولا يرد عليه الإشكال المزبور .
(1) نهاية الدراية 3 / 83 ـ 84 .
(2) وسائل الشيعة 15 / 369 ، الباب 56 من أبواب جهاد النفس ، رقم : 1 .