حلّ الإشكال
لكنّ الإشكال ينحلُّ من جهة الفرق بين المولى العرفي والمولى الحقيقي ، وتوضيح ذلك هو :
إنّ الحبّ والبغض لدى المولى العرفي ينشآن من الدّواعي النفسانيّة ، فلذا يلزم اجتماعهما لمّا رأى أنّ المقتول هو عدوّه ، إذ يسرّه ما وقع وإنْ كان العبد متجرّياً عليه ، وليس الأمر كذلك في المولى الحقيقي ، فإنّ الحبّ والبغض تابعان للحسن والقبح الواقعيين ، فإنْ كان الفعل حسناً واقعاً استتبع الحبّ ، وإنْ كان مبغوضاً استتبع البغض ، بناءً على أن الحسن والقبح أمران ذاتيّان ، وليسا من القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء حفظاً للنظام . هذا من جهة .
ومن جهة اخرى : فإنّ القضايا العقليّة إنْ كانت نظرية ، فكلّها ترجع إلى استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، وكلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ، وإن كانت عمليّةً ، فكلّها ترجع إلى حسن العدل وقبح الظلم .
ومن جهة ثالثة : إن تأثير المصلحة للحسن والمفسدة للقبح ، إنّما هو على وجه الاقتضاء لا العليّة التامة ، فلا يقدّم أحدهما على الآخر لدى التزاحم ، نظير باب الصّدق والكذب ، فإنّ الصّدق حسن لوجود المصلحة فيه ، ولكنْ يتقدّم عليه الكذب إن كانت مصلحته أهم أو ترتبت المفسدة على الصّدق .
وإذا تبيّن هذه الامور ، فكلّ حسن أو قبيح ينشأ من المصلحة أو المفسدة ، فيكون محبوباً عند المولى الحقيقي أو مبغوضاً ، لابدّ وأنْ ينتهي إلى ما بالذات وهو العدل والظلم ، وما لم ينقلب عنوان العدل إلى الظلم أو بالعكس ، لا ينقلب عن كونه محبوباً أو مبغوضاً .
والتجرّي إنْ خرج عن كونه ظلماً فهو ، وإلاّ فإنّه لا يترتب عليه مصلحةٌ توجب له المحبوبيّة أصلاً ، لأنّ دخل الظلم في قبح الفعل والعدل في حسنه ، ليس بنحو الاقتضاء بل هو العليّة التامّة .
فظهر أن مادام التجرّي ظلماً على المولى يستحيل اتّصافه بالمحبوبيّة وإنْ اشتمل على مصلحة ، إذ المصلحة تلك يستحيل أن تقلب العمل وتخرجه عن المبغوضيّة … وكذا الحال فيما لو كان الفعل انقياداً للمولى ، فإنه في الحقيقة عدلٌ ، وكلّما يكون عدلاً يستحيل أن ينقلب عمّا هو عليه فيكون ظلماً .
وتلخّص : عدم لزوم اجتماع الضدّين أصلاً .
Menu