المناقشة فيها
وقد نوقش في الوجوه المذكورة .
أمّا أنّ المقصود هو الالتفات التفصيلي وهو يحصل للمجتهد .
ففيه : إن هذا قد يحصل لأهل العلم والفضلاء غير البالغين مرتبة الاجتهاد ، ويتمّم المطلب لغير أهل العلم بعدم القول بالفصل . قاله المحقق العراقي(3) .
وأشكل عليه شيخنا : بأنْ لا فائدة في عدم القول بالفصل ، بل المفيد هو القول بعدم الفصل وهو غير موجود ، على أنه لو كان فهو إجماع مدركي . مضافاً إلى أن المسألة من المستحدثات في القرون الأخيرة ، ولا حجيّة للإجماع المدّعى فيها .
بل الحق في الجواب على كلام الميرزا : حصول الالتفات التفصيلي لغير المجتهد من المكلّفين موجبةً جزئيّة ، كما تقدّم .
وأمّا ما ذكره من عدم شمول دليل الإستصحاب في الشبهات الحكميّة لغير المجتهد ، فقد أجاب شيخنا :
أوّلاً : أنه ينتقض بإجراء المقلّد للإستصحاب في الشبهات الموضوعيّة ، الجائز له ذلك بالاتّفاق ، فكما يحصل له اليقين والشك ، فيها كذلك يحصلان له في الشبهات الحكميّة .
وكذا أجاب السيّد الصّدر إذ قال: إنّ غير البالغ أيضاً ربما تحصل له شبهة حكميّة ، ولابدّ له عقلاً من تحصيل مؤمّن تجاهها(1) .
وثانياً : إن القول بعدم العبرة باليقين والشك ما لم يكن مجتهداً في مسألة حجية الإستصحاب ، يستلزم المحال ، لأن اليقين والشك بالحكم موضوع للحجيّة ، والعلم بالحجيّة متأخر عنها رتبةً ، كما أنّ الحجية متأخرة رتبةً عن اليقين والشك ، فكان العلم بحجيّة الإستصحاب متأخراً عنها بمرتبتين ، فلو كانت موضوعيّتهما للحجيّة متوقّفة على العلم بالحجيّة لزم الدور .
وأمّا ما ذكره من اختصاص موضوعات أدلّة الطرق والاصول بالمجتهد ، فالموضوع في آية النبأ هو المجتهد ، وهو الموضوع في مثل : « من جاءه الخبران المختلفان » وفي أدلّة الإستصحاب ، وهكذا .
ففيه : إن الأمر ليس كذلك ، لأنّ الخطاب في الآية لعموم المسلمين ، وهل كان كلّهم في صدر الإسلام من أهل النظر والاجتهاد ؟ هذا أوّلاً .
وثانياً : إن أدلّة حجية خبر الثقة إمضاء للسيرة العقلائية ، وهي قائمة على العموم والشمول للمقلّد .
وأمّا الإشكال باشتراط الأخذ بالدليل أو الرجوع إلى الأصل بعدم المعارض والدليل ، فقد أجاب عنه المحقق الخوئي(2) ـ وتبعه سيدنا الاستاذ(3) وشيخنا وغيرهما(4) ـ بما حاصله : أنّ عجز المقلّد عن الفحص لا يخرجه عن كونه مخاطباً بالأدلّة ، بل إنه يرجع إلى المجتهد في الفحص واليأس عن المعارض والدليل من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، فإذا أخبره باليأس عن العثور ، أخذ المقلّد بالخبر أو بالأصل وعمل بمقتضاه .
وبعبارة اخرى : إنّ الفحص إنما يلزم لإحراز عدم المانع من الأخذ بالدليل أو الأصل ، وهذا الإحراز كما يمكن أنْ يكون بالوجدان، كذلك يمكن حصوله بالتعبّد ، كإخبار أهل الخبرة أو قيام البيّنة .
فظهر : أنْ لا وجه لتخصيص المكلّف في موضوع التقسيم بالمجتهد ، بل هو أعمّ منه ومن غيره … .
بل ذكر سيدنا الاستاذ رحمه اللّه أنه لا ظهور لقول صاحب الكفاية « متعلّق به أو بمقلّديه » في أخذه خصوص المجتهد في موضوع التقسيم ، بل يمكن أنْ يكون نظره إلى تعميم الآثار في حالات المجتهد ، بالنسبة إلى نفسه وإلى مقلّديه ، لا أنّ الموضوع هو خصوص المجتهد . إذ قد يشكل في ثبوت الآثار لقطع المجتهد من جهتين :
إحداهما : إن بعض الأحكام التي يلتفت إليها المجتهد ، موضوعها غير المجتهد ، فلا علم له بالحكم الفعلي بالنسبة إليه ، كأحكام الحيض بالنسبة إلى المجتهد الرجل .
وثانيتهما : إن بعض الأحكام وإنْ كانت شاملةً للمجتهد بحسب موضوعها ، لكن ليست محلّ ابتلائه فعلاً ، فلا يتصوّر في حقّه العمل كي يصحّ التعبّد في حقّه ، إذ التعبّد بلحاظ الجري العملي .
ويجمع هاتين الجهتين عدم كون الحكم الملتفت إليه فعليّاً بالنسبة إليه .
فنظر صاحب الكفاية إلى أنّ الحكم الذي يلتفت إليه المجتهد لا يلزم أن يكون متعلّقاً به ، بل أعم مما يكون متعلّقاً به أو بمقلّديه ، فهو ناظر إلى تعميم الأثر في حالة المجتهد ، ولا دليل على كون نظره إلى تخصيص الموضوع بالمجتهد(5) .
(1) مباحث الاصول ، الجزء الأول من القسم الثاني : 178 .
(2) مصباح الاصول 2 / 9 .
(3) منتقى الاصول 4 / 16 .
(4) كالسيّد الصدر، بحوث في علم الاصول 4 / 15 .
(5) منتقى الاصول 4 / 13 .