المقام الثاني ( في الاصول المحرزة )
وهي المعبّر عنها بعرش الاصول وفرش الأمارات ، ولذا تكون محكومة بالأمارات وحاكمةً على الاصول ، وقد قال الميرزا فيها ما ملخّصه بلفظه :
وأمّا الأصول المحرزة ، فالأمر فيها أشكل ، وأشكل منها الاصول غير المحرزة كأصالة الحلّ والبراءة ، فإنّ الاصول بأسرها فاقدة للطّريقيّة ، لأخذ الشك في موضوعها ، والشك ليس فيه جهة إرائة وكشف عن الواقع حتّى يقال : إن المجعول فيها تتميم الكشف ، فلابدّ وأن يكون في مورد حكم مجعول شرعي ، ويلزمه التضادّ بينه وبين الحكم الواقعي عند مخالفة الأصل له .
ولكنّ الخطاب في الاصول التنزيليّة هيّن ، لأن المجعول فيها هو البناء العملي على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر وجعله كالعدم ، ولأجل ذلك قامت مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقيّة ، لكونها متكفّلة للجهة الثالثة التي يكون القطع واحداً لها ، وهو الجري على وفق القطع ، فالمجعول في الاصول التنزيليّة ليس أمراً مغايراً للواقع ، بل الجعل الشرعي إنما تعلّق بالجري العملي على المؤدّى على أنه هو الواقع .
وبالجملة ، ليس في الاصول التنزيليّة حكم مخالف لحكم الواقع ، بل إذا كان المجعول فيها هو البناء العملي على أنّ المؤدّى هو الواقع ، فلا يكون ما وراء الواقع حكم آخر حتى يناقضه ويضادّه(1) .
(1) فوائد الاصول 3 / 110 ـ 112 .