الكلام حوله
إن هذا التقسيم ـ وإنْ سلم عمّا ورد على تقسيم الكفاية من الإشكال بأخذ الحكم في الموضوع ـ قد أخذ فيه الحكم في الموضوع في طرف القطع ، إذ وصفه بالطريق التام ، والحال أنه سيبحث عن كيفية طريقيّة القطع وأنّها ذاتيّة أوْلا .
قال الاستاذ في الدورة اللاّحقة :
والظاهر عدم تماميّته ، لأنّ البحث عن كيفيّة الطريقيّة لا ينافي تماميّة الطريق ، فإن القطع على أيّ حال موضوع التنجّز .
والذي يرد عليه :
أوّلاً : إن التقسيم هو فهرست موضوعات المسائل المبحوث عنها ، ولابدّ من لحاظ موضوع البحث في كلّ مسألة عند التقسيم ، فإن كان الموضوع عقليّاً ، لزم تعيينه عن طريق العقل ، وإنْ كان شرعيّاً فمن طريق الشرع . وفي الاستصحاب الموضوع هو الشك الملحوظ معه الحالة السّابقة ، بخلاف البراءة فهو الشكّ مع عدم لحاظها ، فالموضوع في المسألتين شرعي وهو الشك ، وهو مأخوذ في الأولى من أدلّة الاستصحاب وفي الثانية من « رفع ما لا يعلمون » . فظهر : أنّه ليس عدم الطريق اللاّبشرط موضوع الاستصحاب والبراءة الشرعية ، بل هو الشك، وأمّا في العقليّة، فالموضوع لحكم العقل عدم البيان .
وثانياً : إنّ جعل الموضوع عدم الطريق اللاّبشرط، مخدوش من جهة اخرى ، وذلك : لأنه يلزم أن يكون وجود الطريق اللاّبشرط رافعاً لموضوع الاصول العمليّة، لأنه نقيض عدم الطريق اللاّبشرط، لأن نقيض كلّ شيء رفعه ، والحال أن رافع موضوعها هو الطريق المعتبر ، أي الطريق بشرط الاعتبار .
وعلى الجملة ، فإن هذا التقسيم أيضاً مخدوش كغيره من التقسيمات ، لكنّه عند سيدنا الاستاذ أخفّها محذوراً(1) .
أمّا شيخنا ، فقد استوجه من بينها في الدورتين تقسيم الشيخ ودافع عنه ، وإنْ خدش فيه من حيث أن الشيخ جعل موضوع الاعتبار في المقصد الثاني هو الظن ، والحال أن موضوع الاعتبار ليس الظن ، بل هو خبر الثقة والشهرة ونحوهما ، سواء حصل الظن أوْلا ، فلم يكن تقسيمه فهرساً للموضوعات في المقاصد .
ثم قال دام بقاه ـ في الدّورة السّابقة ـ إن الأحسن تغيير كلمة الظن في التقسيم إلى : ما يمكن أن يكون معتبراً ، وهو ما قاله الشيخ في أول بحث البراءة .
أقول :
وتلخّص : أن تقسيم الشيخ أحسن التقاسيم ، والمراد من المكلّف هو الأعمّ من المجتهد والمقلّد ، والمراد من الالتفات هو الأعم من التفصيلي والإجمالي ، فإنّ الإجمالي حاصل لغير المجتهد بل التفصيلي قد يحصل له . هذا إذا كان المقصود هو الالتفات إلى مجاري الاصول ، وأمّا إن كان المراد بيان أحوال المكلّف تجاه الأحكام الشرعية من دون النظر في مجاري الاصول ، فحالاته ثلاثة كما هو واضح .
(1) منتقى الاصول 4 / 10 .