القول المختار في الأمارات
فالحق هو التفصيل في الأمارات … .
فمن الأمارات ما يلغى معه احتمال الخلاف ويرتب عليه أثر الواقع عقلاءً .
ومنها : ما يرتّب عليه أثر الواقع لجهة من الجهات مع وجود احتمال الخلاف .
أمّا القسم الأوّل ، فيقوم مقام القطع الموضوعي الكشفي .
وأمّا القسم الثاني ، فلا يقوم مقامه .
وممّا يؤكّد التفصيل المذكور بالنظر إلى السّيرة العقلائيّة التي هي العمدة في الدلالة على حجيّة الأمارات : التأمّل في بعض روايات المقام ، مثلاً : قول الراوي : « أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ »(1) ظاهر في المفروغيّة عن ترتيب الأثر على قول الثقة ، فيسأل عن وثاقة يونس . بخلاف رواية حفص مثلاً ـ فإنه يقول : « أشهد أنّه له ؟ » فيجيب الإمام عليه السلام : إشهد أنه له »(2) فإنه ظاهر في أنّ المرتكز عند العقلاء عدم كفاية كون الشيء في اليد للدلالة على الملكية ، فلذا يسأل عن هذه الجهة … بخلاف الرواية السابقة ، فإنها ظاهرة في كفاية الوثاقة عندهم للأخذ بقوله ، ولذا لا يسأل هناك عن جواز الأخذ بقول يونس ، وإنما يسأل عن وثاقته عند الإمام .
وتلخص : أن مثل البيّنة وخبر الثقة يكشف عن الواقع فيقوم مقام القطع ، وأمّا مثل اليد ، فلا كاشفيّة له فلا يقوم مقامه ، وإنّما جاز ترتيب الأثر عليها بدليل خاص لجهة معيّنة .
فالحق هو التفصيل .
ثم إنه يرد على صاحب الكفاية القائل بتنزيل المؤدّى بمنزلة الواقع ، التهافت بين كلامه هنا وما ذهب إليه في مسألة الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من أنّ المجعول في باب الأمارات هو المنجزيّة والمعذّرية … ولا يخفى عدم قيامها مقام القطع الموضوعي الكشفي على هذا المبنى ، لأن المنجزيّة لا تفيد الكاشفية ، إلاّ إذا اُخذ القطع في الموضوع بما هو منجّز .
وهذا تمام الكلام على قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الكشفي .
(1) وسائل الشيعة 27 / 147 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، رقم : 33 .
(2) وسائل الشيعة 27 / 292 ، الباب 25 من أبواب كيفيّة الحكم ، رقم : 2 .