الجواب عن الاستدلال المذكور
وقد أورد المحققون على هذا الاستدلال وجوهاً من الإشكال :
أولاً : إنّ إحراز الواقع وتحقّق الصّورة الإدراكيّة منه في الذهن ، إنما يؤثّر في مرحلة فاعليّة الحكم ومحركيّته للمكلّف ، لا في مرحلة فعليّة الحكم ووجوده حتى يكون أعم من المطابق والمخالف ، وقد وقع الخلط في الاستدلال بين شرط وجود المقتضي وشرط تأثيره في الإرادة ، والإحراز شرط تأثيره لا وجوده .
وثانياً : إنّ الأحكام الشرعيّة معلولة للمصالح والمفاسد ، فلو جُعل الإحراز موضوعاً للحكم الشرعي لزم انتفاء الحكم حيث لا إحراز ، فيلزم تخلّفه عن المصلحة والمفسدة . وكذا لو كان إحرازٌ بلا واقع ، كما لو أحرزت الخمريّة ولا خمر واقعاً ، فإنّه يلزم تحقّق الحكم بالحرمة بلا مفسدة … والحال أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد مطلقاً .
وثالثاً : لو سلّمنا أن للإحراز دخلاً في الحكم ، فإنّ متعلّق الحكم هو الواقع المحرز لا إحراز الواقع وإنْ لم يكن الواقع ، والحال أنه في مورد التجرّي لا يوجد الواقع ، لأن المرتكب هو الماء وليس خمراً ، وإطلاق أدلّة حرمة شرب الخمر يقتضي ترتّب الحكم حيث يكون المرتكب خمراً .
ورابعاً : إنّ هذا الدليل منتقض بالواجبات ، فلو أحرز وجوب شيء وأتى به بقصد الوجوب هل يكون واجباً ؟ وهل يكون الإتيان به مجزياً وإنْ انكشف الخلاف ؟ هذا لا يقول به أحدٌ … فظهر أنّ موضوع الأدلّة الشرعية ليس إحراز الواقع .
وخامساً : لو كان الموضوع هو الإحراز ، لزم أنْ يكون المتجرّي عاصياً ، لأنه قد ارتكب الحرام وهو ما اُحرز كونه خمراً ، والحال أنّ التجرّي غير العصيان .
Menu